فإذا ابتدأ بعضهم بإظهار النقض اقتدى بهم الباقون ، فكان الناقضون أئمّة للباقين.
وجملة : (إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ) تعليل لقتالهم بأنّهم استحقّوه لأجل استخفافهم بالأيمان التي حلفوها على السلم ، فغدروا ، وفيه بيان للمسلمين كيلا يشرعوا في قتالهم غير مطّلعين على حكمة الأمر به ، فيكون قتالهم لمجرّد الامتثال لأمر الله ، فلا يكون لهم من الغيظ على المشركين ما يشحّذ شدّتهم عليهم.
ونفي الأيمان لهم : نفي للماهية الحقّ لليمين ، وهي قصد تعظيمه والوفاء به ، فلمّا لم يوفوا بأيمانهم ، نزلت أيمانهم منزلة العدم لفقدان أخصّ خواصّها وهو العمل بما اقتضته.
وقرأ نافع ، وابن كثير ، وأبو عمرو ، ورويس عن يعقوب. أيمة بتسهيل الهمزة الثانية بين الهمزة والياء. وقرأ البقية : بتحقيق الهمزتين. وقرأ هشام عن عامر ، وأبو جعفر : بمدّ بين الهمزتين.
وقرأ الجمهور (لا أَيْمانَ لَهُمْ) بفتح همزة (أَيْمانَ) على أنّه جمع يمين. وقرأه ابن عامر ـ بكسر الهمزة ـ ، أي ليسوا بمؤمنين ، ومن لا إيمان له لا عهد له لانتفاء الوازع.
وعطف (وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ) عطف قسيم على قسيمه ، فالواو فيه بمعنى (أو). فإنّه إذا حصل أحد هذين الفعلين : الذين هما نكث الأيمان ، والطعن في الدين ، كان حصول أحدهما موجبا لقتالهم ، أي دون مصالحة ، ولا عهد ، ولا هدنة بعد ذلك.
وذكر طعنهم في دين المسلمين ينبئ بأنّ ذلك الطعن كان من دأبهم في مدّة المعاهدة ، فأريد صدّهم عن العود إليه. ولم أقف على أنّه كان مشروطا على المشركين في عقود المصالحة والمعاهدة مع المسلمين أن لا يطعنوا في الإسلام ، في غير هذه الآية ، فكان هذا شرطا عليهم من بعد ، لأنّ المسلمين أصبحوا في قوة.
وقوله : (فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ) أمر للوجوب.
وجملة (لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ) يجوز أن تكون تعليلا للجملة (فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ) أي قتالهم لرجاء أن ينتهوا ، وظاهر أنّ القتال يفني كثيرا منهم ، فالانتهاء المرجو انتهاء الباقين أحياء بعد أن تضع الحرب أوزارها.
ولم يذكر متعلّق فعل (يَنْتَهُونَ) ولا يحتمل أن يكون الانتهاء عن نكث العهد ، لأنّ