المسلمون حرمة لتلك العهود. ويجوز أن يكون الاستفهام تقريريا ، وهو ظاهر ما حمله عليه صاحب «الكشّاف» ، تقريرا على النفي تنزيلا لهم منزلة من ترك القتال فاستوجب طلب إقراره بتركه ، قال في «الكشاف» : ومعناه الحضّ على القتال على سبيل المبالغة ، وفي «مغني اللبيب» أن (أَلا) التي للاستفهام عن النفي تختصّ بالدخول على الجملة الاسمية ، وسلّمه شارحاه ، ولا يخفى أنّ كلام «الكشاف» ينادي على خلافه.
وعلى الاحتمال الثاني أن يكون (أَلا) حرفا واحدا للتحضيض فهو تحضيض على القتال. وجعل في «المغني» هذه الآية مثالا لهذا الاستعمال على طريقة المبالغة في التحذير ولعلّ موجب هذا التفنّن في التحذير من التهاون بقتالهم مع بيان استحقاقهم إياه : أن كثيرا من المسلمين كانوا قد فرحوا بالنصر يوم فتح مكة ومالوا إلى اجتناء ثمرة السلم ، بالإقبال على إصلاح أحوالهم وأموالهم ، فلذلك لمّا أمروا بقتال هؤلاء المشركين كانوا مظنّة التثاقل عنه خشية الهزيمة ، بعد أن فازوا بسمعة النصر ، وفي قوله عقبه (أَتَخْشَوْنَهُمْ) ما يزيد هذا وضوحا.
أمّا نكثهم أيمانهم فظاهر مما تقدّم عند قوله تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [التوبة : ٤] ـ وقوله ـ (إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ) [التوبة : ٤] الآية. وذلك نكثهم عهد الحديبية إذ أعانوا بني بكر على خزاعة وكانت خزاعة من جانب عهد المسلمين كما تقدّم.
وأمّا همّهم بإخراج الرسول فظاهره أنّه همّ حصل مع نكث أيمانهم وأن المراد إخراج الرسول من المدينة ، أي نفيه عنها لأن إخراجه من مكّة أمر قد مضى منذ سنين ، ولأنّ إلجاءه إلى القتال لا يعرف إطلاق الإخراج عليه فالظاهر أنّ همّهم هذا أضمروه في أنفسهم وعلمه الله تعالى ونبّه المسلمين إليه. وهو أنّهم لمّا نكثوا العهد طمعوا في إعادة القتال وتوهّموا أنفسهم منصورين وأنّهم إن انتصروا أخرجوا الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ من المدينة.
و (الهم) هو العزم على فعل شيء ، سواء فعله أم انصرف عنه. ومؤاخذتهم في هذه الآية على مجرّد الهمّ بإخراج الرسول تدلّ على أنّهم لم يخرجوه ، وإلّا لكان الأجدر أن ينعى عليهم الإخراج لا الهمّ به ، كما في قوله : (إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) [التوبة : ٤٠] وتدلّ على أنّهم لم يرجعوا عمّا همّوا به إلّا لما حيل بينهم وبين تنفيذه ، فعن الحسن : همّوا بإخراج الرسول من المدينة حين غزوة في أحد وحين غزوا غزوة الأحزاب ، أي فكفاه الله