يعمروا مساجد الله ، وهو حال من ضمير (يَعْمُرُوا) فبين عامل الضمير وهو (يَعْمُرُوا) الداخل في حكم الانتفاء ، أي : انتفى تأهّلهم لأن يعمروا مساجد الله بحال شهادتهم على أنفسهم بالكفر ، فكان لهذه الحال مزيد اختصاص بهذا الحرمان الخاص من عمارة مساجد الله ، وهو الحرمان الذي لا استحقاق بعده.
والمراد بالكفر : الكفر بالله ، أي بوحدانيته ، فالكفر مرادف للشرك ، فالكفر في حدّ ذاته موجب للحرمان من عمارة أصحابه مساجد الله ، لأنّها مساجد الله فلا حقّ لغير الله فيها ، ثم هي قد أقيمت لعبادة الله لا لغيره ، وأقام إبراهيم ـ عليهالسلام ـ أوّل مسجد وهو الكعبة عنوانا على التوحيد ، وإعلانا به ، كما تقدّم في قوله تعالى : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً) في سورة آل عمران [٩٦] ، فهذه أوّل درجة من الحرمان. ثم كون كفرهم حاصلا باعترافهم به موجب لانتفاء أقلّ حظ من هذه العمارة ، وللبراءة من استحقاقها ، وهذه درجة ثانية من الحرمان.
وشهادتهم على أنفسهم بالكفر حاصلة في كثير من أقوالهم وأعمالهم ، بحيث لا يستطيعون إنكار ذلك ، مثل قولهم في التلبية «لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك» ، ومثل سجودهم للأصنام ، وطوافهم بها ، ووضعهم إيّاها في جوف الكعبة وحولها وعلى سطحها.
وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، ويعقوب : بإفراد مسجد الله أي المسجد الحرام وهو المقصود ، أو التعريف بالإضافة للجنس. وقرأ الباقون : (مَساجِدَ اللهِ) ، فيعمّ المسجد الحرام وما عددناه معه آنفا.
وجملة (أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) ابتداء ذم لهم ، وجيء باسم الإشارة لأنّهم قد تميّزوا بوصف الشهادة على أنفسهم بالكفر كما في قوله : (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ) [البقرة : ٥] بعد قوله : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) [البقرة : ٢] الآية.
و (حَبِطَتْ) بطلت ، وقد تقدّم في قوله تعالى : (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) في سورة البقرة [٢١٧].
وتقديم (فِي النَّارِ) على (خالِدُونَ) للرعاية على الفاصلة ويحصل منه تعجيل المساءة للكفار إذا سمعوه.
(إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ