لكم لا تذكرون محاسننا إنّا لنعمر مسجد الله ونحجب الكعبة ونسقي الحاج» فأنزل الله (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِ) الآية.
والاستفهام للإنكار.
و (السقاية) صيغة للصناعة ، أي صناعة السقي ، وهي السقي من ماء زمزم ، ولذلك أضيفت السقاية إلى الحاج.
وكذلك (العمارة) صناعة التعمير ، أي القيام على تعمير شيء ، بالإصلاح والحراسة ونحو ذلك ، وهي ، هنا : غير ما في قوله : (ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ) [التوبة : ١٧] وقوله : (إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ) [التوبة : ١٨] وأضيفت إلى المسجد الحرام لأنّها عمل في ذات المسجد.
وتعريف الحاج تعريف الجنس.
وقد كانت سقاية الحاجّ وعمارة المسجد الحرام من أعظم مناصب قريش في الجاهلية ، والمناصب عشرة ، وتسمّى المآثر فكانت السقاية لبني هاشم بن عبد مناف بن قصي وجاء الإسلام وهي للعباس بن عبد المطلب ، وكانت عمارة المسجد ، وهي السدانة ، وتسمّى الحجابة ، لبني عبد الدار بن قصي وجاء الإسلام وهي لعثمان بن طلحة.
وكانت لهم مناصب أخرى ثمانية أبطلها الإسلام رأيتها بخط جدّي العلامة الوزير وهي : الدّيات والحملات ، السّفارة ، الراية ، الرّفادة ، المشورة ، الأعنة والقبة ، الحكومة وأموال الآلهة ، الأيسار.
فأما الديات والحمالات : فجمع دية وهي عوض دم القتيل خطأ أو عمدا إذا صولح عليه ؛ وجمع حمالة ـ بفتح الحاء المهملة ـ وهي الغرامة التي يحملها قوم عن قوم ، وكانت لبني تيم بن مرّة بن كعب. ومرّة جدّ قصي ، وجاء الإسلام وهي بيد أبي بكر الصديق.
وأمّا السفارة ـ بكسر السين وفتحها ـ فهي السعي بالصلح بين القبائل. والقائم بها يسمّى سفيرا. وكانت لبني عدي بن كعب أبناء عمّ لقصي وجاء الإسلام وهي بيد عمر بن الخطاب.
وأمّا الراية ، وتسمّى : العقاب ـ بضم العين ـ لأنّها تخفق فوق الجيش كالعقاب ، فهي راية جيش قريش. وكانت لبني أمية ، وجاء الإسلام وهي بيد أبي سفيان بن حرب.