هي عناية الله تعالى بهم بإدخال المسرّة عليهم ، وتحقيق فوزهم ، وتعريفهم برضوانه عليهم ، ورحمته بهم ، وبما أعد لهم من النعيم الدائم. ومجموع هذه الأمور لم يمنحه غيرهم من أهل السقاية والعمارة ، الذين وإن صلحوا لأن ينالوا بعض هذه المزايا فهم لم ينالوا جميعها.
والتبشير : الإخبار بخير يحصل للمخبر لم يكن عالما به.
فإسناد التبشير إلى اسم الجلالة بصيغة المضارع ، المفيد للتجدّد ، مؤذن بتعاقب الخيرات عليهم ، وتجدّد إدخال السرور بذلك لهم ، لأنّ تجدّد التبشير يؤذن بأن المبشّر به شيء لم يكن معلوما للمبشّر (بفتح الشين) وإلّا لكان الإخبار به تحصيلا للحاصل.
وكون المسند إليه لفظ الربّ ، دون غيره ممّا يدلّ على الخالق سبحانه ، إيماء إلى الرحمة بهم والعناية : لأنّ معنى الربوبية يرجع إلى تدبير المربوب والرفق به واللطف به ، ولتحصل به الإضافة إلى ضميرهم إضافة تشريف.
وتقدّمت الرحمة في قوله : (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) [الفاتحة : ١].
والرضوان ـ بكسر الراء وبضمها ـ : الرضا الكامل الشديد ، لأنّ هذه الصيغة تشعر بالمبالغة مثل الغفران والشكران والعصيان.
والجنّات تقدّم الكلام عليها في ذكر الجنة في سورة البقرة ، وجمعها باعتبار مراتبها وأنواعها وأنواع النعيم فيها.
والنعيم : ما به التذاذ النفس باللذات المحسوسة ، وهو أخصّ من النعمة ، قال تعالى: (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ) [الانفطار : ١٣] وقال : (ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) [التكاثر : ٨].
والمقيم المستمرّ ، استعيرت الإقامة للدوام والاستمرار.
والتنكير في (بِرَحْمَةٍ) ، و (رِضْوانٍ ، وَجَنَّاتٍ) ، و (نَعِيمٌ) للتعظيم ، بقرينة المقام ، وقرينة قوله (مِنْهُ) وقرينة كون تلك مبشّرا بها.
وجملة (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) تذييل وتنويه بشأن المؤمنين المهاجرين المجاهدين لأنّ مضمون هذه الجملة يعمّ مضمون ما قبلها وغيره ، وفي هذا التذييل إفادة أنّ ما ذكر من عظيم درجات المؤمنين المهاجرين المجاهدين هو بعض ما عند الله من