الخيرات فيحصل من ذلك الترغيب في الازدياد من الأعمال الصالحة ليزدادوا رفعة عند ربّهم ، كما قال أبو بكر الصديق ـ رضياللهعنه ـ «ما على من دعي من جميع تلك الأبواب من ضرورة».
والأجر : العوض المعطى على عمل ، وتقدّم في قوله : (إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) في سورة العقود [٥].
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٣))
استئناف ابتدائي لافتتاح غرض آخر وهو تقريع المنافقين ومن يواليهم ، فإنّه لمّا كان أوّل السورة في تخطيط طريقة معاملة المظهرين للكفر ، لا جرم تهيّأ المقام لمثل ذلك بالنسبة إلى من أبطنوا الكفر وأظهروا الإيمان : المنافقين من أهل المدينة ومن بقايا قبائل العرب ؛ ممّن عرفوا بذلك ، أو لم يعرفوا وأطلع الله عليهم نبيئه صلىاللهعليهوسلم ، وحذّر المؤمنين المطّلعين عليهم من بطانتهم وذوي قرابتهم ومخالطتهم ، وأكثر ما كان ذلك في أهل المدينة لأنّهم الذين كان معظمهم مؤمنين خلصا ، وكانت من بينهم بقية من المنافقين وهم من ذوي قرابتهم ، ولذلك افتتح الخطاب (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) إشعارا بأنّ ما سيلقى إليهم من الوصايا هو من مقتضيات الإيمان وشعاره.
وقد أسفرت غزوة تبوك التي نزلت عقبها هذه السورة عن بقاء بقية من النفاق في أهل المدينة والأعراب المجاورين لها كما في قوله تعالى : (وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ) [التوبة : ٩٠] ـ وقوله ـ (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ) [التوبة : ١٠١] ونظائرهما من الآيات.
روى الطبري عن مجاهد ، والواحدي عن الكلبي أنّهم لمّا أمروا بالهجرة وقال العبّاس : أنا أسقي الحاج ، وقال طلحة أخو بني عبد الدار : أنا حاجب الكعبة ، فلا نهاجر ، تعلّق بعض الأزواج والأبناء ببعض المؤمنين فقالوا «أتضيّعوننا» فرقّوا لهم وجلسوا معهم ، فنزلت هذه الآية.
ومعنى (اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ) أحبّوه حبّا متمكّنا. فالسين والتاء للتأكيد ، مثل ما في استقام واستبشر.