وقوله : (إِنْ شاءَ) يفتح لهم باب الرجاء مع التضرّع إلى الله في تحقيق وعده لأنّه يفعل ما يشاء.
وقوله : (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) تعليل لقوله : (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً) أي أنّ الله يغنيكم لأنّه يعلم ما لكم من المنافع من وفادة القبائل ، فلمّا منعكم من تمكينهم من الحجّ لم يكن تاركا منفعتكم فقدر غناكم عنهم بوسائل أخرى علمها وأحكم تدبيرها.
(قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ (٢٩))
الظاهر أن هذه الآية استيناف ابتدائي لا تتفرّع على التي قبلها ، فالكلام انتقال من غرض نبذ العهد مع المشركين وأحوال المعاملة بينهم وبين المسلمين إلى غرض المعاملة بين المسلمين وأهل الكتاب من اليهود والنصارى ، إذ كان الفريقان مسالمين المسلمين في أول بدء الإسلام ، وكانوا يحسبون أنّ في مدافعة المشركين للمسلمين ما يكفيهم أمر التصدّي للطعن في الإسلام وتلاشي أمره فلمّا أخذ الإسلام ينتشر في بلاد العرب يوما فيوما ، واستقلّ أمره بالمدينة ، ابتدأ بعض اليهود يظهر إحنه نحو المسلمين ، فنشأ النفاق بالمدينة وظاهرت قريظة والنضير أهل الأحزاب لما غزوا المدينة فأذهبهم الله عنها.
ثم لمّا اكتمل نصر الإسلام بفتح مكّة والطائف وعمومه بلاد العرب بمجيء وفودهم مسلمين ، وامتد إلى تخوم البلاد الشامية ، أوجست نصارى العرب خيفة من تطرّقه إليهم ، ولم تغمض عين دولة الروم حامية نصارى العرب عن تداني بلاد الإسلام من بلادهم ، فأخذوا يستعدّون لحرب المسلمين بواسطة ملوك غسّان سادة بلاد الشام في ملك الروم. ففي «صحيح البخاري» عن عمر بن الخطاب أنّه قال : «كان لي صاحب من الأنصار إذا غبت أتاني بالخبر وإذا غاب كنت أنا آتيه بالخبر ونحن نتخوّف ملكا من ملوك غسّان ذكر لنا أنّه يريد أن يسير إلينا وأنّهم ينعلون الخيل لغزونا فإذا صاحبي الأنصاري يدقّ الباب فقال: افتح افتح. فقلت : أجاء الغسّاني. قال : بل أشدّ من ذلك اعتزل رسول اللهصلىاللهعليهوسلم نساءه إلى آخر الحديث.
فلا جرم لمّا أمن المسلمون بأس المشركين وأصبحوا في مأمن منهم ، أن يأخذوا الأهبة ليأمنوا بأس أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، فابتدأ ذلك بغزو خيبر وقريظة