(وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى) [التوبة : ١١٣] الآية ففي «صحيح البخاري» أنّ أبا طالب لمّا حضرته الوفاة دخل عليه النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : «يا عمّ قل لا إله إلا الله كلمة أحاجّ لك بها عند الله» فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية «يا أبا طالب أترغب عن ملّة عبد المطلب». فكان آخر قول أبي طالب : أنّه على ملّة عبد المطلب ، فقال النبي : «لأستغفرنّ لك ما لم أُنه عنك». وتوفّي أبو طالب فنزلت ما كان للنبي (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ) [التوبة : ١١٣].
وشذّ ما روي عن مقاتل : أنّ آيتين من آخرها مكّيتان ، وهما (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) [التوبة : ١٢٨] إلى آخر السورة. وسيأتي ما روي أنّ قوله تعالى : (أجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِ) [التوبة : ١٩] الآية. نزل في العباس إذ أسر يوم بدر فعيّره علي بن أبي طالب بالكفر وقطيعة الرحم ، فقال : نحن نحجب الكعبة إلخ.
وهذه السورة آخر السور نزولا عند الجميع ، نزلت بعد سورة الفتح ، في قول جابر بن زيد ، فهي السورة الرابعة عشرة بعد المائة في عداد نزول سور القرآن. وروي : أنّها نزلت في أوّل شوال سنة تسع ، وقيل آخر ذي القعدة سنة تسع ، بعد خروج أبي بكر الصديق من المدينة للحجّة التي أمّره عليها النبي صلىاللهعليهوسلم وقيل : قبيل خروجه.
والجمهور على أنّها نزلت دفعة واحدة ، فتكون مثل سورة الأنعام بين السور الطوال.
وفسّر كثير من المفسّرين بعض آيات هذه السورة بما يقتضي أنّها نزلت أوزاعا في أوقات متباعدة ، كما سيأتي ، ولعلّ مراد من قال إنّها نزلت غير متفرقة : أنّه يعني إنها لم يتخلّلها ابتداء نزول سورة أخرى.
والذي يغلب على الظنّ أنّ ثلاث عشرة آية من أولها إلى قوله تعالى : (فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [التوبة : ١٣] نزلت متتابعة ، كما سيأتي في خبر بعث علي بن أبي طالب ليؤذّن بها في الموسم. وهذا ما اتّفقت عليه الروايات. وقد قيل : إنّ ثلاثين آية منها ، من أولها إلى قوله تعالى : (قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) [التوبة : ٣٠] أذّن بها يوم الموسم ، وقيل : أربعين آية : من أولها إلى قوله : (وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة : ٤٠] أذّن به في الموسم ، كما سيأتي أيضا في مختلف الروايات ، فالجمع بينها يغلّب الظنّ بأن أربعين آية نزلت متتابعة ، على أنّ نزول جميع السورة دفعة واحدة ليس ببعيد عن الصحة.
وعدد آيها ، في عدّ أهل المدينة ومكّة والشام والبصرة : مائة وثلاثون آية ، وفي عدّ