الإسلام كانوا في نفس الأمر محاولين إبطال مراد الله تعالى ، فكان حالهم ، في نفس الأمر ، كحال من يحاول من غيره فعلا وهو يأبى أن يفعله.
والاستثناء مفرّغ وإن لم يسبقه نفي لأنه أجري فعل يأبى مجرى نفي الإرادة ، كأنّه قال : ولا يريد الله إلّا أن يتمّ نوره ، ذلك أنّ فعل (أبى) ونحوه فيه جانب نفي لأنّ إباية شيء جحد له ، فقوي جانب النفي هنا لوقوعه في مقابلة قوله : (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ). فكان إباء ما يريدونه في معنى نفي إرادة الله ما أرادوه. وبذلك يظهر الفرق بين هذه الآية وبين أن يقول قائل «كرهت إلّا أخاك».
وجيء بهذا التركيب هنا لشدّة مماحكة أهل الكتاب وتصلّبهم في دينهم ، ولم يجأ به في سورة الصف [٨] إذ قال : (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ) لأنّ المنافقين كانوا يكيدون للمسلمين خفية وفي لين وتملّق.
وذكر صاحب «الكشاف» عند قوله تعالى : فشربوا منه إلا قليل منهم في قراءة الأعمش وأبي برفع قليل في سورة البقرة [٢٤٩] : أن ارتفاع المستثنى على البدلية من ضمير (فَشَرِبُوا) على اعتبار تضمين شربوا معنى ، فلم يطعموه إلّا قليل ، ميلا مع معنى الكلام.
والإتمام مؤذن بالزيادة والانتشار ولذلك لم يقل : ويأبى الله إلّا أن يبقي نوره.
و (لَوْ) في (وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) اتّصالية ، وهي تفيد المبالغة بأنّ ما بعدها أجدر بانتفاء ما قبلها لو كان منتفيا. والمبالغة بكراهية الكافرين ترجع إلى المبالغة بآثار تلك الكراهية ، وهي التألّب والتظاهر على مقاومة الدين وإبطاله. وأمّا مجرد كراهيتهم فلا قيمة لها عند الله تعالى حتّى يبالغ بها ، والكافرون هم اليهود والنصارى.
(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (٣٣))
بيان لجملة (وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ) [التوبة : ٣٢] بأنّه أرسل رسوله بهذا الدين ، فلا يريد إزالته ، ولا يجعل تقديره باطلا وعبثا. وفي هذا البيان تنويه بشأن الرسول بعد التنويه بشأن الدين.
وفي قوله : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ) صيغة قصر ، أي هو لا غيره أرسل رسوله بهذا