وسبيل الله طريقه استعير لدينه الموصّل إليه ، أي إلى رضاه ، والصدّ عن سبيل الله الإعراض عن متابعة الدين الحقّ في خاصّة النفس ، وإغراء الناس بالإعراض عن ذلك. فيكون هذا بالنسبة لأحكام دينهم إذ يغيرون العمل بها ، ويضلّلون العامّة في حقيقتها حتّى يعملوا بخلافها ، وهم يحسبون أنّهم متّبعون لدينهم ، ويكون ذلك أيضا بالنسبة إلى دين الإسلام إذ ينكرون نبوءة محمد صلىاللهعليهوسلم ويعلّمون أتباع ملّتهم أنّ الإسلام ليس بدين الحقّ.
والأجل ما في الصدّ من معنى صدّ الفاعل نفسه أتت صيغة مضارعه بضمّ العين : اعتبارا بأنّه مضاعف متعدّ ، ولذلك لم يجىء في القرآن إلّا مضموم الصاد ولو في المواضع التي لا يراد فيها أنّه يصدّ غيره ، وتقدّم ذكر شيء من هذا عند قوله تعالى : (الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً) في سورة الأعراف [٤٥].
(وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ).
جملة معطوفة على جملة (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً) والمناسبة بين الجملتين : أنّ كلتيهما تنبيه على مساوي أقوام يضعهم الناس في مقامات الرفعة والسؤدد وليسوا أهلا لذلك ، فمضمون الجملة الأولى بيان مساوي أقوام رفع الناس أقدارهم لعلمهم ودينهم ، وكانوا منطوين على خبائث خفيّة ، ومضمون الجملة الثانية بيان مساوي أقوام رفعهم الناس لأجل أموالهم ، فبين الله أنّ تلك الأموال إذا لم تنفق في سبيل الله لا تغني عنهم شيئا من العذاب.
وأمّا وجه مناسبة نزول هذه الآية في هذه السورة : فذلك أنّ هذه السورة نزلت إثر غزوة تبوك ، وكانت غزوة تبوك في وقت عسرة ، وكانت الحاجة إلى العدّة والظهر كثيرة ، كما أشارت إليه آية (وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ) [التوبة : ٩٢] وقد ورد في «السيرة» أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم حض أهل الغنى على النفقة والحملان في سبيل الله ، وقد أنفق عثمان بن عفان ألف دينار ذهبا على جيش غزوة تبوك وحمل كثير من أهل الغنى فالذين انكمشوا عن النفقة هم الذين عنتهم الآية ب (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ) ولا شكّ أنّهم من المنافقين.
والكنز ـ بفتح الكاف ـ مصدر كنز إذا ادّخر مالا ، ويطلق على المال من الذهب