أهل الكوفة مائة وتسع وعشرون آية.
اتّفقت الروايات على أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم لمّا قفل من غزوة تبوك ، في رمضان سنة تسع ، عقد العزم على أن يحجّ في شهر ذي الحجّة من عامه ولكنّه كره (عن اجتهاد أو بوحي من الله مخالطة المشركين في الحجّ معه ، وسماع تلبيتهم التي تتضمّن الإشراك ، أي قولهم في التلبية «لبيك لا شريك لك إلّا شريكا هو لك تملكه وما ملك». ـ وطوافهم عراة ، وكان بينه وبين المشركين عهد لم يزل عاملا لم ينقض ـ والمعنى أنّ مقام الرسالة يربأ عن أن يسمع منكرا من الكفر ولا يغيّره بيده ، لأنّ ذلك أقوى الإيمان ـ فأمسك عن الحجّ تلك السنّة ، وأمّر أبا بكر الصديق على أن يحجّ بالمسلمين ، وأمره أن يخبر المشركين بأن لا يحجّ بعد عامه ذلك مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ، وأكثر الأقوال على أنّ براءة نزلت قبل خروج أبي بكر من المدينة ، فكان ما صدر عن النبي صلىاللهعليهوسلم صادرا عن وحي لقوله تعالى في هذه السورة (ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ) ـ إلى قوله ـ (أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) [التوبة : ١٧ ، ١٨] ـ وقوله ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا) [التوبة : ٢٨] الآية. وقد كان رسول اللهصلىاللهعليهوسلم صالح قريشا عام الحديبية على أن يضعوا الحرب عشر سنين يأمن فيها الناس ، ويكف بعضهم عن بعض فدخلت خزاعة في عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ودخل بنو بكر في عهد قريش ثم عدت بنو بكر على خزاعة بسبب دم كان لبني بكر عند خزاعة قبل البعثة بمدّة. واقتتلوا فكان ذلك نقضا للصلح. واستصرخت خزاعة النبي صلىاللهعليهوسلم فوعدهم بالنصر وتجهّز رسول الله صلىاللهعليهوسلم لفتح مكّة ثم حنين ثم الطائف ، وحجّ بالمسلمين تلك السنة سنة ثمان عتّاب بن أسيد ، ثم كانت غزوة تبوك في رجب سنة تسع فلمّا انصرف رسول الله صلىاللهعليهوسلم من تبوك أمّر أبا بكر الصديق على الحجّ وبعث معه بأربعين آية من صدر سورة براءة ليقرأها على النّاس (١). ثم أردفه بعلي بن أبي طالب ليقرأ على الناس ذلك.
وقد يقع خلط في الأخبار بين قضية بعث أبي بكر الصديق ليحجّ بالمسلمين عوضا عن النبي صلىاللهعليهوسلم وبين قضية بعث علي بن أبي طالب ليؤذّن في الناس بسورة براءة في تلك الحجّة اشتبه به الغرضان على من أراد أن يتلبّس وعلى بمن لبس عليه الأمر فأردنا إيقاظ البصائر لذلك. فهذا سبب نزولها ، وذكره أول أغراضها.
__________________
(١) من أول السورة حتى قوله : وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة : ٤٠].