بالحكمة التي لأجلها فضّل زمن على زمن ، وفضّل مكان على مكان والأمور المجعولة من الله تعالى هي شئون وأحوال أرادها الله ، فقدّرها ، فأشبهت الأمور الكونية ، فلا يبطلها إلّا إبطال من الله تعالى ، كما أبطل تقديس السبت بالجمعة ، وليس للناس أن يجعلوا تفضيلا في أوقات دينية : لأنّ الأمور التي يجعلها الناس تشبه المصنوعات اليدوية ، ولا يكون لها اعتبار إلّا إذا أريدت بها مقاصد صالحة فليس للناس أن يغيّروا ما جعله الله تعالى من الفضل لأزمنة أو أمكنة أو ناس.
(ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ).
الإشارة بقوله : (ذلِكَ) إلى المذكور : من عدّة الشهور الاثني عشر ، وعدّة الأشهر الحرم. أي ذلك التقسيم هو الدين الكامل ، وما عداه لا يخلو من أن اعتراه التبديل أو التحكّم فيه لاختصاص بعض الناس بمعرفته على تفاوتهم في صحّة المعرفة.
والدين : النظام المنسوب إلى الخالق الذي يدان الناس به ، أي يعاملون بقوانينه. وتقدّم عند قوله تعالى : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) في سورة آل عمران [١٩] ، كما وصف بذلك في قوله تعالى : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) [الروم : ٣٠].
فكون عدّة الشهور اثني عشر تحقّق بأصل الخلقة لقوله عقبه (فِي كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ).
وكون أربعة من تلك الأشهر أشهرا حرما تحقّق بالجعل التشريعي للإشارة عقبه بقوله : (ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) ، فحصل من مجموع ذلك أنّ كون الشهور اثني عشر وأنّ منها أربعة حرما اعتبر من دين الإسلام وبذلك نسخ ما كان في شريعة التوراة من ضبط مواقيت الأعياد الدينية بالتاريخ الشمسي ، وأبطل ما كان عليه أهل الجاهلية.
وجملة : (ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) معترضة بين جملة (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ) وجملة (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ).
(فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ).
تفريع على (مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) فإنّها ، لما كانت حرمتها ممّا شرعه الله ، أوجب الله على الناس تعظيم حرمتها بأن يتجنّبوا الأعمال السيئة فيها.