كذلك في الأشهر الحرم ، وكلّ فريق يكون كذلك في الحرم.
والكاف في (كَما يُقاتِلُونَكُمْ) أصلها كاف التشبيه استعيرت للتعليل بتشبيه الشيء المعلول بعلّته ، لأنّه يقع على مثالها ومنه قوله تعالى : (وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ) [البقرة : ١٩٨].
وجملة (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) تأييد وضمان بالنصر عند قتالهم المشركين ، لأنّ المعية هنا معية تأييد على العمل ، وليست معية علم ، إذ لا تختصّ معيّة العلم بالمتّقين.
وابتدئت الجملة ب (اعْلَمُوا) للاهتمام بمضمونها كما تقدّم في قوله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ) [الأنفال : ٤١] الآية ، بحيث يجب أن يعلموه ويعوه.
والجملة بمنزلة التذييل لما قبلها من أجل ما فيها من العموم في المتّقين ، دون أن يقال واعلموا أنّ الله معكم ليحصل من ذكر الاسم الظاهر معنى العموم ، فيفيد أنّ المتّصفين بالحال المحكية في الكلام السابق معدودون من جملة المتقين ، لئلا يكون ذكر جملة (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) غريبا عن السياق ، فيحصل من ذلك كلام مستقلّ يجري مجرى المثل وإيجاز يفيد أنّهم حينئذ من المتّقين ، وأنّ الله يؤيّدهم لتقواهم ، وأنّ القتال في الأشهر الحرم في تلك الحالة طاعة لله وتقوى ، وأنّ المشركين حينئذ هم المعتدون على حرمة الأشهر ، وهم الحاملون على المقابلة بالمثل للدفاع عن النفس.
(إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (٣٧))
استئناف بياني ناشئ عن قوله تعالى : (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ) [التوبة : ٣٦] الآية لأنّ ذلك كالمقدّمة إلى المقصود وهو إبطال النسيء وتشنيعه.
والنسيء يطلق على الشهر الحرام الذي أرجئت حرمته وجعلت لشهر آخر فالنسيء فعيل بمعنى مفعول من نسأ المهموز اللام ، ويطلق مصدرا بوزن فعيل مثل نذير من قوله : (يْفَ نَذِيرِ)(١) [الملك : ١٧] ، ومثل النكير والعذر وفعله نسأ المهموز ، أي أخّر ، فالنسيء ـ
__________________
(١) في المطبوعة (فكيف كان نذير) وهو غلط.