يصير حسنا ، يؤذن بأنّ التحسين تلبيس. وتقدّم التزيين في قوله تعالى : (زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا) في سورة البقرة [٢١٢]. وقوله : (كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ) في سورة الأنعام [١٠٨].
وفي هذا الاستئناف معنى التعليل لحالهم العجيبة حتّى يزول تعجّب السامع منها.
وجملة (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) عطف على جملة (زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ) فهي مشمولة لمعنى الاستئناف البياني المراد منه التعليل لتلك الحالة الغريبة ، لأنّ التعجيب من تلك الحالة يستلزم التعجيب من دوامهم على ضلالهم وعدم اهتدائهم إلى ما في صنيعهم من الاضطراب ، حتّى يقلعوا عن ضلالهم ، فبعد أن أفيد السائل بأنّ سبب ذلك الاضطراب هو تزيين الشيطان لهم سوء أعمالهم ، أفيد بأنّ دوامهم عليه لأنّ الله أمسك عنهم اللطف والتوفيق ، الذين بهما يتفطّن الضالّ لضلاله فيقلع عنه ، جزاء لهم على ما أسلفوه من الكفر ، فلم يزالوا في دركات الضلال إلى أقصى غاية.
والإظهار في مقام الإضمار بقوله : (الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) لقصد إفادة التعميم الذي يشملهم وغيرهم ، أي : هذا شأن الله مع جميع الكافرين.
واعلم أنّ حرمة الأزمان والبقاع إنّما تتلقّى عن الوحي الإلهي لأنّ الله الذي خلق هذا العالم هو الذي يسنّ له نظامه فبذلك تستقرّ حرمة كلّ ذي حرمة في نفوس جميع الناس إذ ليس في ذلك عمل لبعضهم دون بعض ، فإذا أدخل على ما جعله الله من ذلك تغيير تقشّعت الحرمة من النفوس فلا يرضى فريق بما وضعه غيره من الفرق ، فلذلك كان النسيء زيادة في الكفر لأنّه من الأوضاع التي اصطلح عليها الناس ، كما اصطلحوا على عبادة الأصنام بتلقين عمرو ابن لحيّ.
وقد أوحى الله لرسوله صلىاللهعليهوسلم أنّ العام الذي يحجّ فيه يصادف يوم الحجّ منه يوم تسعة من ذي الحجة ، على الحساب الذي يتسلسل من يوم خلق الله السماوات والأرض ، وأنّ فيه يندحض أثر النسيء ولذلك قال النبي صلىاللهعليهوسلم في خطبة حجّة الوداع «إنّ الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض» ، قالوا فصادفت حجّة أبي بكر سنة تسع أنّها وقعت في شهر ذي القعدة بحساب النسيء ، فجاءت حجّة النبي صلىاللهعليهوسلم في شهر ذي الحجّة في الحساب الذي جعله الله يوم خلق السماوات والأرض.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى