(إِلاَّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٩))
هذا وعيد وتهديد عقب به الملام السابق ، لأنّ اللوم وقع على تثاقل حصل ، ولمّا كان التثاقل مفضيا إلى التخلّف عن القتال ، صرّح بالوعيد والتهديد أن يعودوا لمثل ذلك التثاقل ، فهو متعلّق بالمستقبل كما هو مقتضى أداة الشرط. فالجملة مستأنفة لغرض الإنكار بعد اللوم. فإن كان هذا وعيدا فقد اقتضى أنّ خروج المخاطبين إلى الجهاد الذي استنفرهم إليه الرسول صلىاللهعليهوسلم قد وجب على أعيانهم كلّهم بحيث لا يغني بعضهم عن بعض ، أي تعيّن الوجوب عليهم ، فيحتمل أن يكون التعيين بسبب تعيين الرسول صلىاللهعليهوسلم إياهم للخروج بسبب النفير العام ، وأن يكون بسبب كثرة العدوّ الذي استنفروا لقتاله ، بحيث وجب خروج جميع القادرين من المسلمين لأنّ جيش العدوّ مثلي عدد جيش المسلمين. وعن ابن عباس أنّ هذا الحكم منسوخ نسخه قوله تعالى : (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ) [التوبة : ١٢٢] فيكون الجهاد قد سبق له حكم فرض العين ثم نقل إلى فرض الكفاية.
وهذا بناء على أنّ المراد بالعذاب الأليم في قوله : (يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً) هو عذاب الآخرة كما هو المعتاد في إطلاق العذاب ووصفه بالأليم ، وقيل : المراد بالعذاب الأليم عذاب الدنيا كقوله : (أَنْ يُصِيبَكُمُ اللهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينا) [التوبة : ٥٢] فلا يكون في الآية حجّة على كون ذلك الجهاد واجبا على الأعيان ، ولكنّ الله توعّدهم ، إن لم يمتثلوا أمر الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ ، بأن يصيبهم بعذاب في الدنيا ، فيكون الكلام تهديدا لا وعيدا. وقد يرجح هذا الوجه بأنّه قرن بعواقب دنيوية في قوله : (وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ). والعقوبات الدنيوية مصائب تترتّب على إهمال أسباب النجاح وبخاصّة ترك الانتصاح بنصائح الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ ، كما أصابهم يوم أحد ، فالمقصود تهديدهم بأنّهم إن تقاعدوا عن النفير هاجمهم العدوّ في ديارهم فاستأصلوهم وأتى الله بقوم غيرهم.
والأليم المؤلم ، فهو فعيل مأخوذ من الرباعي على خلاف القياس كقوله تعالى : (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ) [لقمان : ٢] ، وقول عمرو بن معديكرب :
أمن ريحانة الداعي السّميع
أي المسمع.