(قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً) في سورة العقود [٧٦].
وقدم الضر على النفع لأنه أنسب بالغرض لأنهم أظهروا استبطاء ما فيه مضرتهم وهو الوعيد ولأن استطاعة الضر أهون من استطاعة النفع فيكون ذكر النفع بعده ارتقاء. والمقصود من جمع الأمرين الإحاطة بجنسي الأحوال. وتقدم في سورة الأعراف وجه تقديم النفع على الضر في نظير هذه الآية.
وقوله : (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) استثناء منقطع بمعنى لكن ، أي لكن نفعي وضري هو ما يشاؤه الله لي. وهذا الجواب يقتضي إبطال كلامهم بالأسلوب المصطلح على تلقيبه في فن البديع بالمذهب الكلامي ، أي بطريق برهاني ، لأنه إذا كان لا يستطيع لنفسه ضرا ولا نفعا فعدم استطاعته ما فيه ضر غيره بهذا الوعد أولى من حيث إن أقرب الأشياء إلى مقدرة المرء هو ما له اختصاص بذاته ، لأن الله أودع في الإنسان قدرة استعمال قواه وأعضائه ، فلو كان الله مقدرا إياه على إيجاد شيء من المنافع والمضار في أحوال الكون لكان أقرب الأشياء إلى إقداره ما له تعلق بأحوال ذاته ، لأن بعض أسبابها في مقدرته ، فلا جرم كان الإنسان مسيّرا في شئونه بقدرة الله لأن معظم أسباب المنافع والمضار من الحوادث منوط بعضه ببعض ، فموافقاته ومخالفاته خارجة عن مقدور الإنسان ، فلذلك قد يقع ما يضره وهو عاجز عن دفعه. فكان معنى الجواب : أن الوعد من الله لا مني وأنا لا أقدر على إنزاله بكم لأن له أجلا عند الله.
وجملة : (لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ) من المقول المأمور به ، وموقعها من جملة : (لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً) موقع العلة لأن جملة (لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي) اقتضت انتفاء القدرة على حلول الوعد.
وجملة : (لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ) تتضمن أن سبب عدم المقدرة على ذلك هو أن الله قدر آجال أحوال الأمم. ومن ذلك أجل حلول العقاب بهم بحكمة اقتضت تلك الآجال فلا يحل العقاب بهم إلا عند مجيء في ذلك الأجل ، فلا يقدر أحد على تغيير ما حدده الله.
وصورة الاستدلال بالطريق البرهاني أن قضية (لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ) قضية كلية تشمل كل أمة. ولما كان المخاطبون من جملة الأمم كانوا مشمولين لحكم هذه القضية فكأنه قيل لهم: أنتم أمة من الأمم ولكل أمة أجل فأنتم لكم أجل فترقبوا حلوله.
وجملة : (إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) صفة ل (أجل) ، أي