خوف فواتها أكثر وأشد».
ثم إن عدم دوامها يقتضي قصر مدة التمتع بها بخلاف اللذات الروحانية.
(قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالاً قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ (٥٩))
استئناف أمر النبي صلىاللهعليهوسلم بأن يقوله للمشركين. وافتتاحه ب (قُلْ) لقصد توجه الأسماع إليه. ومناسبة وقوعه عقب ما تقدم أن الكلام المتقدم حكى تكذيبهم بالقرآن وادعاءهم أنه مفترى وأنه ليس بحق ، ثم إبطال أن يكون القرآن مفترى على الله لأنه اشتمل على تفصيل الشريعة وتصديق الكتب السالفة ، ولأنه أعجز مكذبيه عن معارضته. فلما استوفى ذلك بأوضح حجة ، وبانت لقاصد الاهتداء المحجة ، لا جرم دالت النوبة إلى إظهار خطل عقولهم واختلال تكذيبهم ، فإنه بعد أن كان تكذيبا بما لم يحيطوا بعلمه فقد ارتبكوا في دينهم بما يلزمهم منه مماثلة الحالة التي أنكروها ، فإنهم قد وضعوا دينا فجعلوا بعض أرزاقهم حلالا لهم وبعضها حراما عليهم فإن كان ذلك حقا بزعمهم فمن الذي أبلغهم تلك الشرائع عن الله ولما ذا تقبلوها عمن شرعها لهم ولم يكذبوه وهم لا يستطيعون أن يلتزموا ذلك ، وإن كان ذلك من تلقاء أنفسهم فقد افتروا على الله فلزمهم ما ألصقوه بالنبيءصلىاللهعليهوسلم فعلق بهم وبرأ الله منه رسوله ، فهذا الاستدلال من الطريق المسمى بالقلب في علم الجدل.
ثم إن اختيار الاستدلال عليهم بشيء من تشريعهم في خصوص أرزاقهم يزيد هذا الاستدلال مناسبة بآخر الكلام الذي قبله ليظهر ما فيه من حسن التخلص إليه وذلك أن آخر الكلام المتقدم جملة (هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس : ٥٨] ، أي من أموالهم. وتلك الأموال هي التي رزقهم الله إياها فجعلوا منها حلالا ومنها حراما وكفروا نعمة الله إذ حرموا على أنفسهم من طيبات ما أعطاهم ربهم ، وحسبهم بذلك شناعة بهم ملصقة ، وأبوابا من الخير في وجوههم مغلقة.
والاستفهام في (أَرَأَيْتُمْ) و (آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ) تقريري باعتبار إلزامهم بأحد الأمرين : إما أن يكون الله أذن لهم ، أو أن يكونوا مفترين على الله ، وقد شيب التقرير في ذلك بالإنكار على الوجهين.
والرؤية علمية ، و (ما أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ) هو المفعول الأول ل (رأيتم) ، وجملة