(فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ) إلخ معطوفة على صلة الموصول بفاء التفريع ، أي الذي أنزل الله لكم فجعلتم منه. والاستفهام في (آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ) مفعول ثان ل (رأيتم) ، ورابط الجملة بالمفعول محذوف ، تقديره : أذنكم بذلك ، دل عليه قوله : (فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالاً).
و (قُلْ) الثاني تأكيد ل (قُلْ) الأول معترض بين جملة الاستفهام الأولى وجملة الاستفهام الثانية لزيادة إشراف الأسماع عليه. وهي معادلة بهمزة الاستفهام لأنها بين الجملتين المعمولتين لفعل (أَرَأَيْتُمْ). وفعل الرؤية معلق عن العمل في المفعول الثاني ؛ لأن الأصح جواز التعليق عن المفعول الثاني. وزعم الرضي أن الرؤية بصرية. وقد بسطت القول في ذلك عند قوله : (أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ) الآية في سورة الواقعة [٥٨ ، ٥٩].
و (أَمْ) متصلة وهي معادلة لهمزة الاستفهام لأن الاستفهام عن أحد الأمرين.
والرزق : ما ينتفع به. وتقدم في قوله تعالى : (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) في سورة البقرة [٣] وفي قوله : (أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) في الأعراف [٥٠].
وعبر عن إعطاء الرزق بالإنزال ؛ لأن معظم أموالهم كانت الثمار والأعناب والحبوب ، وكلها من آثار المطر الذي هو نازل من السحاب بتكوين الله ، فأسند إنزاله إلى الله بهذا الاعتبار ، ومعظم أموالهم الأنعام ، وحياتها من العشب والكلأ وهي من أثر المطر ، قال تعالى : (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا وَعِنَباً وَقَضْباً وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً وَحَدائِقَ غُلْباً وَفاكِهَةً وَأَبًّا مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ) [عبس : ٢٤ ، ٣٢]. وقال : (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ) [الذاريات : ٢٢] أي سبب رزقكم وهو المطر. وقد عرف العرب بأنهم بنو ماء السماء. وهو على المجاز في كلمة (بني) لأن الابن يطلق مجازا على الملازم للشيء. وقد عبر عن إعطاء الأنعام بالإنزال في قوله : (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) [الزمر : ٦] بهذا الاعتبار.
والمجعول حراما هو ما حكى الله بعضه عنهم في قوله : (وَقالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها) وقوله : (وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا) في سورة الأنعام [١٣٨ ، ١٣٩].
ومحل الإنكار ابتداء هو جعلهم بعض ما رزقهم الله حراما عليهم. وأما عطف