(حَلالاً) على (حَراماً) فهو إنكار بالتبع لأنهم لما عمدوا إلى بعض ما أحل الله لهم فجعلوه حراما وميّزوه من جملة الرزق فقد جعلوا الحلال أيضا حلالا ، أي بجعل جديد إذ قالوا هو حلال فجعلوا أنفسهم مهيمنين على أحكام الله إذ عمدوا إلى الحلال منها فقلبوه حراما وأبقوا بعض الحلال على الحل ، فلولا أنهم أبقوه على الحل لما بقي عندهم حلالا ولتعطل الانتفاع به فلذلك أنكر عليهم جعل بعض الرزق حراما وبعضه حلالا ، وإلا فإنهم لم يجعلوا ما كان حراما حلالا إذ لم يكن تحريم في الجاهلية.
وقوله : (حَلالاً) عطف على (حَراماً) والتقدير : ومنه حلالا ، لأن جميع ما رزقهم الله لا يعدو بينهم هذين القسمين ، وليس المعنى فجعلتم بعضه حراما وحلالا ، وبعضه ليس بحرام ولا حلال لأن ذلك لا يستقيم.
وتقديم اسم الجلالة وهو مسند إليه على خبره الفعلي في قوله : (آللهُ أَذِنَ لَكُمْ) لتقوية الحكم مع الاهتمام. وتقديم المجرور على عامله في قوله : (أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ) للاهتمام بهذا المتعلق تشنيعا لتعليق الافتراء به. وأظهر اسم الجلالة لتهويل الافتراء عليه.
وحذف متعلق (أَذِنَ) لظهوره. والتقدير : آلله أذن لكم بذلك الجعل.
(وَما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ (٦٠))
عطف على جملة (قُلْ أَرَأَيْتُمْ) [يونس : ٥٩] ، فهو كلام غير داخل في القول المأمور به ، ولكنه ابتداء خطاب لجميع الناس. و (ما) للاستفهام. والاستفهام مستعمل في التعجيب من حالهم. والمقصود به التعريض بالمشركين ليستفيقوا من غفلتهم ويحاسبوا أنفسهم.
ولذلك كان مقتضى الظاهر أن يؤتى بضمير (هم) مضافا إليه الظن إما ضمير خطاب أو غيبة. فيقال : وما ظنكم أو وما ظنهم ، فعدل عن مقتضى الظاهر إلى الإتيان بالموصول بالصلة المختصة بهم للتنبيه على أن الترديد بين أن يكون الله أذن لهم فيما حرّموه وبين أن يكونوا مفترين عليه قد انحصر في القسم الثاني ، وهو كونهم مفترين إذ لا مساغ لهم في ادعاء أنه أذن لهم ، فإذا تعين أنهم مفترون فقد صار الافتراء حالهم المختص بهم. وفي الموصول إيذان بعلة التعجيب من ظنهم بأنفسهم يوم القيامة.