في كتاب مبين ، أي إلا معلوما مكتوبا ويعلم السامع أن المكتوب في كتاب مبين لا يمكن أن يعزب ، فيكون انتفاء عزوبه حاصلا بطريق برهاني.
والمجرور على هذا كله في محل الحال ، وعلى الوجهين الأخيرين من القراءتين يكون الاستثناء متصلا والمجرور ظرفا مستقلا في محل خبر (لا) النافية فهو في محل رفع أو في محل نصب ، أي لا يوجد أصغر من الذرة ولا أكبر إلا في كتاب مبين كقوله تعالى : (وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) [الأنعام : ٥٩].
والكتاب : علم الله ، استعير له الكتاب لأنه ثابت لا يخالف الحق بزيادة ولا نقصان. ومبين : اسم فاعل من أبان بمعنى بان ، أي واضح بيّن لا احتمال فيه.
[٦٢ ـ ٦٤] (أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢) الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (٦٣) لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٦٤))
استئناف للتصريح بوعد المؤمنين المعرّض به في قوله : (إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ) [يونس : ٦١] الآية ، وبتسلية النبيصلىاللهعليهوسلم على ما يلاقيه من الكفار من أذى وتهديد ، إذ أعلن الله للنبي والمؤمنين بالأمن من مخافة أعدائهم ، ومن الحزن من جراء ذلك ، ولمح لهم بعاقبة النصر ، ووعدهم البشرى في الآخرة وعدا لا يقبل التغيير ولا التخلف تطمينا لنفوسهم ، كما أشعر به قوله عقبه (لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللهِ).
وافتتاح الكلام بأداة التنبيه إيماء إلى أهمية شأنه ، كما تقدم في قوله : (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ) في سورة البقرة [١٢] ، ولذلك أكدت الجملة ب (إِنَ) بعد أداة التنبيه.
وفي التعبير ب (أَوْلِياءَ اللهِ) دون أن يؤتى بضمير الخطاب كما هو مقتضى وقوعه عقب قوله : (وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ) [يونس : ٦١] يؤذن بأن المخاطبين قد حق لهم أنهم من أولياء الله مع إفادة حكم عام شملهم ويشمل من يأتي على طريقتهم.
وجملة : (لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) خبر (إِنَ).
والخوف : توقع حصول المكروه للمتوقّع ، فيتعدى بنفسه إلى الشيء المتوقّع حصوله. فيقال : خاف الشيء ، قال تعالى : (فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ) [آل عمران : ١٧٥]. وإذا كان توقع حصول المكروه لغير المتوقع يقال للمتوقّع : خاف عليه ، كقوله تعالى : (إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ