روي أن الحجاج خطب فذكر عبد الله بن الزبير فقال : إنه قد بدّل كتاب الله. وكان ابن عمر حاضرا فقال له ابن عمر : لا تطيق ذلك أنت ولا ابن الزبير : (لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللهِ).
وجملة (ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) مؤكدة لجملة (لَهُمُ الْبُشْرى) ومقررة لمضمونها فلذلك فصلت.
والإشارة بذلك إلى المذكور من مضمون الجمل الثلاث المتقدمة ، واختيار اسم الإشارة لأنه أجمع لما ذكر ، وفيه كمال تمييز له لزيادة تقرير معناه. وذكر ضمير الفصل بعد اسم الإشارة لزيادة التأكيد ولإفادة القصر ، أي هو الفوز العظيم لا غيره مما يتقلب فيه المشركون في الحياة الدنيا من رزق ومنعة وقوة ، لأن ذلك لا يعد فوزا إذا عاقبته المذلة والإهانة في الدنيا وبعده العذاب الخالد في الآخرة ، كما أشار إليه قوله تعالى : (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ) [آل عمران : ١٩٦ ، ١٩٧].
(وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦٥))
الجملة معطوفة على جملة (أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) [يونس : ٦٢] عطف الجزئي على الكلي لأن الحزن المذكور هنا نوع من أنواع الحزن المنفي في قوله : (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) [يونس : ٦٢] ، ولأن الرسول عليه الصلاة والسلام من أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. فكان مقتضى الظاهر أن يعطف بفاء التفريع لأن دفع هذا الحزن يتفرع على ذلك النفي ولكن عدل إلى العطف بالواو ليعطي مضمون الجملة المعطوفة استقلالا بالقصد إليه فيكون ابتداء كلام مع عدم فوات معنى التفريع لظهوره من السياق. والحزن المنهي عن تطرقه هو الحزن الناشئ عن أذى المشركين محمدا صلىاللهعليهوسلم بأقوالهم البذيئة وتهديداتهم. ووجه الاقتصار على دحضه أن النبي صلىاللهعليهوسلم لم يكن يلقى من المشركين محزنا إلا أذى القول البذيء.
وصيغة (لا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ) خطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم. وظاهر صيغته أنه نهي عن أن يحزن النبي صلىاللهعليهوسلم كلام المشركين ، مع أن شأن النهي أن يتوجه الخطاب به إلى من فعل الفعل المنهي عنه ، ولكن المقصود من مثل هذا التركيب نهي النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ عن أن يتأثر بما شأنه أن يحزن الناس من أقوالهم ، فلما وجه الخطاب إليه بالنهي عن عمل هو