والجمل الأربع هي من المقول المأمور به النبي صلىاللهعليهوسلم تبليغا عن الله تعالى.
وإذاقة العذاب إيصاله إلى الإحساس ، أطلق عليه الإذاقة لتشبيهه بإحساس الذوق في التمكن من أقوى أعضاء الجسم حاسية لمس وهو اللسان.
والباء في (بِما كانُوا يَكْفُرُونَ) للتعليل.
وقوله : (كانُوا يَكْفُرُونَ) يؤذن بتكرر ذلك منهم وتجدده بأنواع الكفر.
(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللهِ فَعَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ (٧١))
انتقال من مقارعة المشركين بالحجج الساطعة على بطلان دينهم ، وبالدلائل الواضحة على تفنيد أكاذيبهم وتكذيبهم وما تخلل ذلك من الموعظة والوعيد بالعذاب العاجل والآجل والإرهاب ، إلى التعريض لهم بذكر ما حل بالأمم المماثلة أحوالها لأحوالهم ، استقصاء لطرائق الحجاج على أصحاب اللجاج ؛ فإن نوحا ـ عليهالسلام ـ مع قومه مثل لحال محمدصلىاللهعليهوسلم مع المشركين من قومه في ابتداء الأمر وتطوره ، ففي ذكر عاقبة قوم نوح ـ عليهالسلام ـ تعريض للمشركين بأن عاقبتهم كعاقبة أولئك أو أنهم إنما يمتعون قليلا ثم يؤخذون أخذة رابية ، كما منع قوم نوح زمنا طويلا ثم لم يفلتوا من العذاب في الدنيا ، فذكر قصة نوح مع قومه عظة للمشركين وملقيا بالوجل والذعر في قلوبهم ، وفي ذلك تأنيس للرسولصلىاللهعليهوسلم وللمسلمين بأنهم إسوة بالأنبياء ، والصالحين من أقوامهم ، وكذلك قصة موسى ـ عليهالسلام ـ عقبها كما ينبئ عن ذلك قوله في نهاية هذه القصص (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) [يونس : ٩٩] الآيات. وقوله : (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ) [يونس : ٩٤] الآيات.
وبهذا يظهر حسن موقع (إذ) من قوله : (إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ) إلى آخره ، فإن تقييد النبأ بزمن قوله : (لِقَوْمِهِ) إيماء إلى أن محاورته قومه وإصرارهم على الإعراض هو محل العبرة ، لأنه وجه الشبه بين المشركين وبين قوم نوح ـ عليهالسلام ـ في صم آذانهم عن دعوة رسولهم ، وقوله ذلك لهم إنما كان بعد أن كرر دعاءهم زمنا طويلا فكان ذلك آخر جدل بينه وبينهم ، والنبي صلىاللهعليهوسلم قد دعا أهل مكة سنين وقت نزول هذه السورة ثم حاورهم وجادلهم ولأن ذلك الزمن هو أعظم موقف وقفه نوح ـ عليهالسلام ـ مع قومه ، وكان هو