قرونا فإذا سألوا حقهم استأصلوهم ومثلوا بهم وقتلوهم ، كما حكى الله عنهم (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) [القصص : ٤] ، وكان القبط يعتقدون أوهاما ضالة وخرافات ، فلذلك قال الله تعالى : (وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ) ، أي فلا يستغرب استكبارهم عن الحق والرّشاد ، ألا ترى إلى قولهم في موسى وهارون (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى) [طه : ٦٣] فأغراهم الغرور على أن سموا ضلالهم وخورهم طريقة مثلى.
وعبر ب (قَوْماً مُجْرِمِينَ) دون كانوا مجرمين للوجه الذي تقدم في سورة البقرة وفي مواضع من هذه السورة.
[٧٦ ، ٧٧] (فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ (٧٦) قالَ مُوسى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ أَسِحْرٌ هذا وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ (٧٧))
أي لما رأوا المعجزات التي هي حق ثابت وليست بتخيلات وتمويهات ، وعلموا أن موسى صادق فيما ادّعاه ، تدرجوا من مجرّد الإباء المنبعث عن الاستكبار إلى البهتان المنبعث عن الشعور بالمغلوبية.
والحقّ : يطلق اسما على ما قابل الباطل وهو العدل الصالح ، ويطلق وصفا على الثابت الذي لا ريبة فيه ، كما يقال : أنت الصديق الحق. ويلازم الإفراد لأنه مصدر وصف به. والذي أثبت له المجيء هنا هو الآيات التي أظهرها موسى إعجازا لهم لقوله قبله : (ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى بِآياتِنا) [الأعراف : ١٠٣] فكان جعل الحق جائيا بتلك الآيات صالحا لمعنيي الحقّ ، لأنّ تلك الآيات لما كانت ثابتة لا ريبة فيها كانت في ذاتها حقا فمجيئها حصولها وظهورها المقصود منه إثبات صدق موسى في رسالته فكان الحق جائيا معها ، فمجيئه ثبوته كقوله تعالى : (وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ) [الإسراء : ٨١] وبهذا يظهر أن لكلمة (الْحَقُ) هنا من الوقع في الدلالة على تمام المعنى المراد ، ولكلمة مِنْ عِنْدِنا) ما ليس لغيرهما في الإيجاز ، وهذا من حدّ الإعجاز.
وبهذا تبين أنّ الآية دالة على أن آيات الصدق ظهرت وأنّ المحجوجين أيقنوا بصدق موسى وأنه جاء بالحق.
واعتذارهم عن ظهور الآيات بأنها سحر هو اعتذار المغلوب العديم الحجة الذي