معطوفة ، فخولف مقتضى الظاهر لهذه النكتة.
ثم ذيّلوا كلمتهم بالتوجه إلى الله بسؤالهم منه أن يقيهم ضر فرعون ، ناظرين في ذلك إلى مصلحة الدين قبل مصلحتهم لأنهم إن تمكن الكفرة من إهلاكهم أو تعذيبهم قويت شوكة أنصار الكفار فيقولون في أنفسهم : لو كان هؤلاء على الحق لما أصابهم ما أصابهم فيفتتن بذلك عامة الكفرة ويظنون أن دينهم الحق.
والفتنة : تقدم تفسيرها آنفا. وسموا ذلك فتنة لأنها تزيد الناس توغلا في الكفر ، والكفر فتنة. والفتنة مصدر. فمعنى سؤالهم أن لا يجعلهم الله فتنة هو أن لا يجعلهم سبب فتنة ، فتعدية فعل (تَجْعَلْنا) إلى ضميرهم المخبر عنه بفتنة تعدية على طريقة المجاز العقلي ، وليس الخبر بفتنة من الإخبار بالمصدر إذ لا يفرضون أن يكونوا فاتنين ولا يسمح المقام بأنهم أرادوا لا تجعلنا مفتونين للقوم الظالمين.
ووصفوا الكفار ب (الظَّالِمِينَ) لأن الشرك ظلم ، ولأنه يشعر بأنهم تلبسوا بأنواع الظلم : ظلم أنفسهم ، وظلم الخلائق ، ثم سألوا ما فيه صلاحهم فطلبوا النجاة من القوم الكافرين ، أي من بطشهم وإضرارهم.
وزيادة (بِرَحْمَتِكَ) للتبرؤ من الإدلال بإيمانهم لأن المنة لله عليهم ، قال تعالى : قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [الحجرات : ١٧].
وذكر لفظ القوم في قوله : (لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) وقوله : (مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) للوجه الذي أشرنا إليه في أواسط البقرة ، وفي هذه السورة غير مرة.
(وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (٨٧))
يجوز أن يكون عطفا على جملة : (وَقالَ مُوسى يا قَوْمِ) [يونس : ٨٤] ، ويجوز أن يكون عطف قصة على قصة ، أي على مجموع الكلام السابق ، لأن مجموعه قصص هي حكاية أطوار لقصة موسى وقومه.
ووقع الوحي بهذا الأمر إلى موسى وهارون ـ عليهماالسلام ـ لأنه من الأعمال الراجعة إلى تدبير أمر الأمة ، فيمكن الاشتراك فيها بين الرسول ومؤازره.