إليه كلاما. فأجابه الله بكلام.
وقال الله هذا الكلام له على لسان الملك الموكل بتعذيبه تأييسا له من النجاة في الدنيا وفي الآخرة ، تلك النجاة التي هي مأمولة حين قال : (آمَنْتُ) [يونس : ٩٠] إلى آخره ، فإنه ما آمن إلا وقد تحقق بجميع ما قاله موسى ، وعلم أن ما حل به كان بسبب غضب الله ، ورجا من اعترافه له بالوحدانية أن يعفو عنه وينجيه من الغرق. ويدل على ذلك قول الله عقب كلامه (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ) كما سيأتي.
والاستفهام في (آلْآنَ) إنكاري. والآن : ظرف لفعل محذوف دل عليه قوله : آمَنْتُ) [يونس : ٩٠] تقديره : الآن تؤمن ، أي هذا الوقت. ويقدر الفعل مؤخرا ، لأن الظرف دل عليه ، ولأن محط الإنكار هو الظرف.
والإنكار مؤذن بأن الوقت الذي علق به الإنكار ليس وقتا ينفع فيه الإيمان لأن الاستفهام الإنكاري في قوة النفي ، فيكون المعنى : لا إيمان الآن.
والمنفي هو إيمان ينجي من حصل منه في الدنيا والآخرة. وإنما لم ينفعه إيمانه لأنه جاء به في وقت حصول الموت. وهو وقت لا يقبل فيه إيمان الكافر ولا توبة العاصي ، كما تقدم عند قوله تعالى : (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ) [النساء : ١٨].
و (الآن) اسم ظرف للزمان الحاضر ... وقد تقدم عند قوله تعالى : (الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ) في سورة الأنفال [٦٦].
وجملة : (وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) في موضع الحال من معمول (تؤمن) المحذوف ، وهي موكدة لما في الاستفهام من معنى الإنكار ، فإن إيمانه في ذلك الحين منكر ، ويزيده إنكارا أن صاحبه كان عاصيا لله ومفسدا للدين الذي أرسله الله إليه ، ومفسدا في الأرض بالجور والظلم والتمويه بالسحر.
وصيغة : (كُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) أبلغ في الوصف بالإفساد من : وكنت مفسدا ، كما تقدم آنفا ، وبمقدار ما قدّمه من الآثام والفساد يشدّد عليه العذاب.
والفاء التي في قوله : (فَالْيَوْمَ) فاء الفصيحة ، تفصح عن شرط مقدر في الكلام يدل عليه السياق. والمعنى : فإن رمت بإيمانك بعد فوات وقته أن أنجيك من الغرق فاليوم ننجيك ببدنك ، والكلام جار مجرى التهكم ، فإطلاق الإنجاء على إخراجه من البحر