المقصود به التحقيق ، أي لا شك أن هؤلاء من أولئك فقد اتضح أمرهم واليأس من إيمانهم.
ويحتمل أن تجعل الجملة في موضع التعليل للقصص السابقة فتكون بمنزلة التذييل ، والموصول للعموم الجامع جميع الأمم التي هي بمثابة الأمم المتحدث عنهم وتكون (إن) لمجرد الاهتمام بالخبر ، فتفيد التعليل والربط ، وتغني عن فاء التفريع كالتي في قول بشار :
إن ذاك النجاح في التبكير
كما تقدم غير مرة ويكون في الآية تعريض آخر بالمشركين.
و (لو) وصلية للمبالغة ، أي لا يؤمنون ولو جاءتهم كلّ آية فكيف إذا لم تجئهم إلا بعض الآيات.
و (كل) مستعملة في معنى الكثرة ، وهو استعمال كثير في القرآن. كما سيأتي عند قوله تعالى : (وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ) في سورة الحج [٣١] وقوله : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) في سورة البقرة [٢٧] ، أي ولو جاءتهم آيات كثيرة تشبه في الكثرة استغراق جميع الآيات الممكن وقوعها. وقد تقدم نظير ذلك آنفا.
ورؤية العذاب ، كناية عن حلوله بهم.
والمعنى : أنهم لا يؤمنون إلا حين لا ينفعهم الإيمان ، لأن نزول العذاب هو ابتداء مجازاتهم على كفرهم ، وليس بعد الشروع في المجازاة عفو.
ومن بركة هذا الدين أن الذين كفروا به قد هداهم الله قبل أن ينزل بهم عذابا.
(فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ (٩٨))
الفاء لتفريع التغليط على امتناع أهل القرى من الإيمان بالرسل قبل أن ينزل بهم العذاب على الإخبار بأن الذين حقت عليهم كلمة الله أن لا يؤمنوا لا يؤمنون حتى يروا العذاب فإن أهل القرى من جملة الذين حقت عليهم الكلمة بأن لا يؤمنوا. والغرض من ذكر أهل القرى التعريض بالمقصود ، وهم أهل مكة فإنهم أهل قرية فكان ذلك كالتخلص بالتعريض إلى المخصوصين به ، وللإفضاء به إلى ذكر قوم يونس فإنهم أهل قرية.