مكافاة على قسطهم في أعمالهم في عدلهم فيها بأن عملوا ما يساوي الصلاح المقصود من نظام هذا العالم.
والإجمال هنا بين معنيي الباء مفيد لتعظيم شأن جزاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات مع الإشارة إلى أنه جزاء مماثل لصلاح أعمالهم.
وإنما خص بذلك جزاء المؤمنين مع أن الجزاء كله عدل ، بل ربما كانت الزيادة في ثواب المؤمنين فضلا زائدا على العدل لأمرين : أحدهما : تأنيس المؤمنين وإكرامهم بأن جزاءهم قد استحقوه بما عملوا ، كقوله : (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)[النحل : ٣٢]. ومن أعظم الكرم أن يوهم الكريم أن ما تفضل به على المكرم هو حقه وأن لا فضل له فيه.
الأمر الثاني : الإشارة إلى أن جزاء الكافرين دون ما يقتضيه العدل ، ففيه تفضل بضرب من التخفيف لأنهم لو جوزوا على قدر جرمهم لكان عذابهم أشد ، ولأجل هذا خولف الأسلوب في ذكر جزاء الذين كفروا فجاء صريحا بما يعم أحوال العذاب بقوله : لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ) [الأنعام : ٧٠]. وخص الشراب من الحميم بالذكر من بين أنواع العذاب الأليم لأنه أكره أنواع العذاب في مألوف النفوس.
(أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ) في سورة الأنعام [٧٠]. والباء في قوله :
وشراب الحميم تقدم في قوله تعالى : (بِما كانُوا يَكْفُرُونَ) للعوض.
وجملة : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) إلى آخرها استئناف بياني لأنه لما ورد ذكر جزاء المؤمنين على أنه العلة لرجوع الجميع إليه ولم يذكر في العلة ما هو جزاء الجميع لا جرم يتشوف السامع إلى معرفة جزاء الكافرين فجاء الاستئناف للإعلام بذلك.
ونكتة تغيير الأسلوب حيث لم يعطف جزاء الكافرين على جزاء المؤمنين فيقال : ويجزى الذين كفروا بعذاب إلخ كما في قوله : (لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ) [الكهف : ٢] هو الإشارة إلى الاهتمام بجزاء المؤمنين الصالحين وأنه الذي يبادر بالإعلام به وأن جزاء الكافرين جدير بالإعراض عن ذكره لو لا سؤال السامعين.
(هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ