وإبهام (حِينٍ) لأنه مختلف باختلاف آجال أحادهم ، والمراد به التمتيع بالحياة لا بكشف العذاب ، لأنهم بعد موتهم ناجون من العذاب إذ كانوا قد آمنوا وأخلصوا.
ولعل الحكمة في نجاة قوم يونس تتمثل في أمرين :
أحدهما : أن الله علم أن تكذيبهم يونس ـ عليهالسلام ـ في ابتداء دعوته لم يكن ناشئا عن تصميم على الكفر واستخفاف بعظمة الله ، ولكنه كان شكا في صدق يونس ـ عليهالسلام ـ. ولعل ذلك أنهم كانوا على بقية من شريعة موسى ـ عليهالسلام ـ وإنما حرّفوا وحادوا عن طريق الإيمان مما يعلمه الله ، فإن في نينوى كثيرا من أسرى بني إسرائيل الذين كانوا في أسر الأشوريين كما علمت آنفا ، فلما أوعدهم يونس ـ عليهالسلام ـ بالعذاب بعد أربعين يوما ورأوا أماراته بعد خمسة وثلاثين يوما اهتدوا وآمنوا إيمانا خالصا.
وثانيهما : أن يونس ـ عليهالسلام ـ لمّا صدرت منه فلتة المغاضبة كان قد خلط في دعوته شيئا من حظ النفس وإن كان لفائدة الدين ، فقدر الله إيمان قومه لعلمه كمال الإيمان والصبر والتسليم لله ، وهذا عتاب وتأديب بينه وبين ربه ، ولذلك حذّر رسول اللهصلىاللهعليهوسلم الأمة من توهم أنّ ما جرى ليونس ـ عليهالسلام ـ من المغاضبة والمعاقبة ينقص من قدره فقال صلىاللهعليهوسلم : «لا ينبغي لأحد أن يقول أنا خير من يونس بن متّى» يعني في صحة الرسالة لا في التفاضل فيها.
وقد كان حال أهل مكة كحال قوم يونس إذ بادروا إلى الإيمان بمجرد دخول جيش الفتح مكة وقبل أن يقعوا في قبضة الأسر ، ولذلك لم ينج منهم عبد الله بن خطل ، لأنه لم يأت مؤمنا قبل أن يتمكن منه المسلمون ولم ينفعه التعلق بأستار الكعبة لأن ذلك التعلق ليس بإيمان وإنما هو من شعار العوذ في الجاهلية بما أبطله الإسلام إذ قال النبيصلىاللهعليهوسلم : «إن الحرم لا يعيذ عاصيا». وقد بيّنّا في آخر سورة غافر [٨٤] عند قوله تعالى : (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ) إلى آخر السورة فانظره.
(وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٩٩))
عطف على جملة : (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ) كلمات (رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ) [يونس : ٩٧] لتسلية النبي صلىاللهعليهوسلم على ما لقيه من قومه. وهذا تذييل لما تقدم من مشابهة حال قريش مع النبي صلىاللهعليهوسلم بحال قوم نوح وقوم موسى وقوم يونس. وهذه الجملة كالمقدمة الكلية للجملة التي بعدها ،