والشك في الدين هو الشك في كونه حقا ، وكونه من عند الله. وإنما يكون هذا الشك عند عدم تصور حقيقة هذا الدين بالكنه وعدم الاستدلال عليه ، فالشك في صدقه يستلزم الشك في ماهيته لأنهم لو أدركوا كنهه لما شكّوا في حقيته.
وجملة : (فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) واقعة موقع جواب الشرط ودالة عليه في المعنى. فالتقدير الجواب : فأنا على يقين من فساد دينكم ، فلا أتبعه ، فلا أعبد الذين تعبدونهم ولكن أعبد الله.
ولما كان مضمون هذه الجملة هو أصل دين الإسلام. فيجوز أن يكون في الآية معنى ثان ، أي إن كنتم في شك من معرفة هذا الدين فخلاصته أني لا أعبد الذين تعبدون من دون الله ولكني أعبد الله وحده ، فيكون في معنى قوله تعالى : (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ) [الكافرون : ١ ، ٢] ثم قوله : (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) [الكافرون : ٦] فيتأتى في هذه الآية غرضان. فيكون المراد بالناس في قوله : (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ) جميع أمة الدعوة الذين لم يسلموا.
والذين يعبدونهم الأصنام. وعوملت الأصنام معاملة العقلاء فأطلق عليها اسم الموصول الذي لجماعة العقلاء مجاراة لما يعتقدونه فيها من العقل والتدبير. ونظير هذا في القرآن كثير.
واختيار صلة التوفّي هنا في نعت اسم الجلالة لما فيها من الدلالة على كمال التصرف في المخلوق فإن المشركين لم يبلغ بهم الإشراك إلى ادعاء أن الأصنام تحيي وتميت. واختيار ذلك من بين الصفات الخاصة بالله تعالى تعريض بتذكيرهم بأنهم معرّضون للموت فيقصّرون من طغيانهم.
والجمع بين نفي أن يعبد الأصنام ، وبين إثبات أنه يعبد الله ؛ يقوم مقام صيغة القصر لو قال : فلا أعبد إلا الله ، فوجه العدول عن صيغة القصر : أنّ شأنها أن يطوى فيها الطرف المنفي للاستغناء عنه بالطرف المثبت لأنه المقصود. وذلك حين يكون الغرض الأصلي هو طرف الإثبات ، فأما إذا كان طرف النفي هو الأهم كما هنا وهو إبطال عبادة الأصنام أوّلا عدل على صيغة القصر إلى ذكر صيغتي نفي وإثبات. فهو إطناب اقتضاء المقام ، كقول عبد الملك بن عبد الرحيم الحارثي أو السموأل :
تسيل على حد الظبات نفوسنا |
|
وليست على غير الظبات تسيل |