ورحمة وتجاوز منه تعالى عن سيئات عباده الصالحين ، وتقصيرهم وغفلاتهم ، فلو شاء لما تجاوز لهم عن شيء من ذلك فتورطوا كلهم.
ولو لا غفرانه لما كانوا أهلا لإصابة الخير ، لأنهم مع تفاوتهم في الكمال لا يخلون من قصور عن الفضل الخالد الذي هو الكمال عند الله ، كما أشار إليه النبي صلىاللهعليهوسلم بقوله : «إني ليغان على قلبي فأستغفر الله في اليوم سبعين مرة». ويشير أيضا إلى أن الله قد تجاوز عن كثير من سيئات عباده المسرفين ولم يؤاخذهم إلا بما لا يرضى عنه بحال كما قال : (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) [الزمر : ٧] ، وأنه لو لا تجاوزه عن كثير لمسهم الله بضر شديد في الدنيا والآخرة.
(قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (١٠٨))
استئناف ابتدائي هو كذيل لما مضى في السورة كلها وحوصلة لما جرى من الاستدلال والمجادلة والتخويف والترغيب ، ولذلك جاء ما في هذه الجملة كلاما جامعا وموادعة قاطعة.
وافتتاحها ب (قُلْ) للتنبيه على أنه تبليغ عن الله تعالى فهو جدير بالتلقي.
وافتتاح المقول بالنداء لاستيعاء سماعهم لأهمية ما سيقال لهم ، والخطاب لجميع الناس من مؤمن وكافر ، والمقصود منه ابتداء المشركون ، ولذلك أطيل الكلام في شأنهم ، وقد ذكر معهم من اهتدى تشريفا لهم.
وأكد الخبر بحرف (قَدْ) تسجيلا عليهم بأن ما فيه الحق قد أبلغ إليهم وتحقيقا لكونه حقا.
والحق : هو الدين الذي جاء به القرآن ، ووصفه ب (مِنْ رَبِّكُمْ) للتنويه بأنه حق مبين لا يخلطه باطل ولا ريب ، فهو معصوم من ذلك.
واختيار وصف الرب المضاف إلى ضمير (النَّاسُ) على اسم الجلالة للتنبيه على أنه إرشاد من الذي يحب صلاح عباده ويدعوهم إلى ما فيه نفعهم شأن من يربّ ، أي يسوس ويدبر.
وتفريع جملة : (فَمَنِ اهْتَدى) على جملة : (قَدْ جاءَكُمُ) للإشارة إلى أن مجيء