بقوله : (مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ).
وآيات القرآن : الجمل المستقلة بمعانيها المختتمة بفواصل. وقد تقدم وجه تسمية جمل القرآن بالآيات عند قوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا) في أوائل سورة البقرة [٣٩] ، وفي المقدمة الثامنة من مقدمات هذا التفسير.
والتفصيل : التوضيح والبيان. وهو مشتق من الفصل بمعنى التفريق بين الشيء وغيره بما يميزه ، فصار كناية مشهورة عن البيان لما فيه من فصل المعاني. وقد تقدم عند قوله تعالى : (وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) في سورة الأنعام [٥٥].
ونظيره : الفرق ، كنى به عن البيان فسمي القرآن فرقانا. وعن الفصل فسمي يوم بدر يوم الفرقان ، ومنه في ذكر ليلة القدر (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) [الدخان : ٤].
و (ثم) للتراخي في الرتبة كما هو شأنها في عطف الجمل لما في التفصيل من الاهتمام لدى النفوس لأن العقول ترتاح إلى البيان والإيضاح.
و (مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) أي من عند الموصوف بإبداع الصنع لحكمته ، وإيضاح التبيين لقوة علمه. والخبير : العالم بخفايا الأشياء ، وكلما كثرت الأشياء كانت الإحاطة بها أعز ، فالحكيم مقابل ل (أُحْكِمَتْ) ، والخبير مقابل ل (فُصِّلَتْ). وهما وإن كانا متعلّق العلم ومتعلّق القدرة إذ القدرة لا تجري إلا على وفق العلم ، إلا أنه روعي في المقابلة الفعل الذي هو أثر إحدى الصفتين أشدّ تبادرا فيه للناس من الآخر وهذا من بليغ المزاوجة.
(أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (٢))
(أن) تفسيرية لما في معنى (أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ) [هود : ١] من الدلالة على أقوال محكمة ومفصلة فكأنه قيل : أوحى إليك في هذا الكتاب أن لا تعبدوا إلا الله ، فهذه الجملة تفسيرية لما أحكم من الآيات لأن النهي عن عبادة غير الله وإيجاب عبادة الله هو أصل الدين ، وإليه مرجع جميع الصفات التي ثبتت لله تعالى بالدليل ، وهو الذي يتفرع عنه جميع التفاصيل ، ولذلك تكرر الأمر بالتوحيد والاستدلال عليه في القرآن ، وأن أول آية نزلت كان فيها الأمر بملابسة اسم الله لأول قراءة القرآن في قوله تعالى : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) [العلق : ١].