فما ظنكم برجوعكم إلى القادر على كل شيء وقد عصيتم أمره أليس يعذبكم عذابا كبيرا.
(أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٥))
حول أسلوب الكلام عن مخاطبة النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ بما أمر بتبليغه إلى إعلامه بحال من أحوال الذين أمر بالتبليغ إليهم في جهلهم بإحاطة علم الله تعالى بكل حال من الكائنات من الذوات والأعمال ظاهرها وخفيها ، فقدم لذلك إبطال وهم من أوهام أهل الشرك أنهم في مكنة من إخفاء بعض أحوالهم عن الله تعالى ، فكان قوله : (أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ) إلخ تمهيدا لقوله : (يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) ، جمعا بين إخبارهم بإحاطة علم الله بالأشياء وبين إبطال توهماتهم وجهلهم بصفات الله. وقد نشأ هذا الكلام عن قوله تعالى : (إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[هود : ٤] لمناسبة أن المرجوع إليه لما كان موصوفا بتمام القدرة على كل شيء هو أيضا موصوف بإحاطة علمه بكل شيء للتلازم بين تمام القدرة وتمام العلم.
وافتتاح الكلام بحرف التنبيه (أَلا) للاهتمام بمضمونه لغرابة أمرهم المحكي وللعناية بتعليم إحاطة علم الله تعالى.
وضمائر الجماعة الغائبين عائدة إلى المشركين الذين أمر النبي صلىاللهعليهوسلم بالإبلاغ إليهم في قوله : (أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ) [هود : ٢] وليس بالتفات. وضمائر الغيبة للمفرد عائدة إلى اسم الجلالة في قوله : (إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ) [هود : ٤].
والثّني : الطّي ، وأصل اشتقاقه من اسم الاثنين. يقال : ثناه بالتخفيف ، إذا جعله ثانيا ، يقال : هذا واحد فاثنه ، أي كن ثانيا له ، فالذي يطوي الشيء يجعل أحد طاقيه ثانيا للذي قبله ؛ فثني الصدور : إمالتها وحنيها تشبيها بالطي. ومعنى ذلك الطأطأة.
وهذا الكلام يحتمل الإجراء على حقيقة ألفاظه من الثني والصدور. ويحتمل أن يكون تمثيلا لهيئة نفسية بهيئة حسية.
فعلى الاحتمال الأول : يكون ذلك تعجيبا من جهالة أهل الشرك إذ كانوا يقيسون صفات الله تعالى على صفات الناس فيحسبون أن الله لا يطلع على ما يحجبونه عنه. وقد روي أن الآية أشارت إلى ما يفعله المشركون أن أحدهم يدخل بيته ويرخي الستر عليه