والاستثناء من عموم ما يسند إليه رزق الدواب في ظاهر ما يبدو للناس أنّه رزق من أصحاب الدواب ومن يربونها ، أي رزقها على الله لا على غيره. فالمستثنى هو الكون على الله ، والمستثنى منه مطلق الكون مما يتخيّل أنه رزاق فحصر الرزق في الكون على الله مجاز عقلي في العرف باعتبار أن الله مسبب ذلك الرزق ومقدره.
وجملة (وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها) عطف على جملة الاستثناء لا على المستثنى ، أي والله يعلم مستقر كلّ دابة ومستودعها. فليس حكم هذه الجملة بداخل في حيّز الحصر.
والمستقر : محلّ استقرارها. والمستودع : محلّ الإيداع ، والإيداع : الوضع والدخر. والمراد به مستودعها في الرحم قبل بروزها إلى الأرض كقوله : (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ) في سورة الأنعام [٩٨].
وتنوين (كُلٌ) تنوين عوض عن المضاف إليه اختصار ، أي كلّ رزقها ومستقرها ومستودعها في كتاب مبين ، أي كتابة ، فالكتاب هنا مصدر كقوله : (كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ) [النساء : ٢٤]. وهو مستعمل في تقدير العلم وتحقيقه بحيث لا يقبل زيادة ولا نقصانا ولا تخلفا. كما أن الكتابة يقصد منها أن لا يزاد في الأمر ولا ينقص ولا يبطل. قال الحارث بن حلزة : حذر الجور والتطاخي وهل ينقض ما في المهارق الأهواء والمبين : اسم فاعل أبان بمعنى : أظهر ، وهو تخييل لاستعارة الكتاب للتقدير.
وليس المراد أنّه موضح لمن يطالعه لأن علم الله وقدره لا يطلع عليه أحد.
(وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (٧))
(وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً)
عطف على جملة (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها) [هود : ٦]. والمناسبة أنّ خلق السماوات والأرض من أكبر مظاهر علم الله وتعلقات قدرته وإتقان الصنع،