وفي الآية إشارة إلى أن من حكمة خلق الأرض صدور الأعمال الفاضلة من شرف المخلوقات فيها. ثم إن ذلك يقتضي الجزاء على الأعمال إكمالا لمقتضى الحكمة ولذلك أعقبت بقوله : (وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ) إلخ.
(وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ)
يظهر أن الواو واو الحال والجملة حال من فاعل (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) باعتبار ما تعلق بالفعل من قوله في (سِتَّةِ أَيَّامٍ) ، وقوله : (لِيَبْلُوَكُمْ) ، والتقدير : فعل ذلك الخلق العجيب والحال أنهم ينكرون ما هو دون ذلك وهو إعادة خلق الناس. ويجهلون أنه لو لا الجزاء لكان هذا الخلق عبثا كما قال تعالى : (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ) [الدخان : ٣٨]. فإن حمل الخبر في قوله : (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) على ظاهر الإخبار كانت الحال مقدّرة من فاعل (خَلَقَ) أي خلق ذلك مقدّرا أنكم تنكرون عظيم قدرته ، وإن حمل الخبر على أنه مستعمل في التنبيه والاعتبار بقدرة الله كانت الحال مقارنة.
ووجه جعلها جملة شرطية إفادة تجدد التكذيب عند كلّ إخبار بالبعث ، واللّام موطّئة للقسم ، وجواب القسم (لَيَقُولَنَ) إلخ ، فاللام فيه لام جواب القسم. وجواب (إن) محذوف أغنى عنه جواب القسم كما هو الشأن عند اجتماع شرط وقسم أن يحذف جواب المتأخر منهما.
وتأكيد الجملة باللام الموطئة للقسم وما يتبعه من نون التوكيد لتنزيل السامع منزلة المتردد في صدور هذا القول منهم لغرابة صدوره من العاقل ، فيكون التأكيد القوي والتنزيل مستعملا في لازم معناه وهو التعجيب من حال الذين كفروا أن يحيلوا إعادة الخلق وقد شاهدوا آثار بدء الخلق وهو أعظم وأبدع.
وقرأ الجمهور (إِلَّا سِحْرٌ) على أنّ (هذا) إشارة إلى المدلول عليه ب (قلت) ، ومعنى الإخبار عن القول بأنّه سحر أنهم يزعمون أنّه كلام من قبيل الأقوال التي يقولها السحرة لخصائص تؤثر في النفوس.
وقرأ حمزة ، والكسائي ، وخلف : إلا ساحر فالإشارة بقوله (هذا) إلى الرّسولصلىاللهعليهوسلم المفهوم من ضمير (قُلْتَ) أي أنه يقول كلاما يسحرنا بذلك.