المتكلّم يستفهم عن حصوله. وهذا أسلوب يقصد به التحريك من همة المخاطب وإلهاب همته لدفع الفتور عنه ، فليس في هذا تجويز ترك النّبيء صلىاللهعليهوسلم تبليغ بعض ما يوحى إليه ، وذلك البعض هو ما فيه دعوتهم إلى الإيمان وإنذارهم بالعذاب وإعلامهم بالبعث كما يدل عليه قوله تعالى في آية أخرى (وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْ لا اجْتَبَيْتَها) [الأعراف : ٢٠٣]. والمعنى تحذيره من التأثّر بعنادهم وتكذيبهم واستهزائهم ، ويستتبع ذلك تأييس المشركين من تركه ذكر البعث والإنذار بالعذاب ، فالخطاب مستعمل في حقيقته ومراد منه مع ذلك علم السامعين بمضمونه.
(وَضائِقٌ) : اسم فاعل من ضاق. وإنما عدل عن أن يقال (ضيّق) هنا إلى ضائِقٌ) لمراعاة النظير مع قوله : (تارك) لأنّ ذلك أحسن فصاحة. ولأنّ (ضائِقٌ) لا دلالة فيه على تمكّن وصف الضّيق من صدره بخلاف ضيّق ، إذ هو صفة مشبهة وهي دالة على تمكن الوصف من الموصوف ، إيماء إلى أنّ أقصى ما يتوهّم توقعه في جانبهصلىاللهعليهوسلم هو ضيق قليل يعرض له.
والضيق مستعمل مجازا في الغم والأسف ، كما استعمل ضده وهو الانشراح في الفرح والمسرة.
و (ضائِقٌ) عطف على (تارِكٌ) فهو وفاعله جملة خبر عن (لعلّك) فيتسلط عليه التفريع.
والباء في (بِهِ) للسببية ، والضمير المجرور بالباء عائد على ما بعده وهو (أَنْ يَقُولُوا). و (أَنْ يَقُولُوا) بدل من الضمير. ومثل ذلك مستعمل في الكلام كقوله تعالى: (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) [الأنبياء : ٣] ، فيكون تحذيرا من أن يضيق صدره لاقتراحهم الآيات بأن يقولوا : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ) ، ويحصل مع ذلك التحذير من أن يضيق صدره من قولهم : (إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) [هود : ٧] ، ومن قولهم : ما يحبس العذاب عنا ، بواسطة كون (ضائِقٌ) داخلا في تفريع التحذير على قوليهم السّابقين. وإنما جيء بالضمير ثم أبدل منه لقصد الإجمال الذي يعقبه التفصيل ليكون أشد تمكّنا في الذهن ، ولقصد تقديم المجرور المتعلق باسم الفاعل على فاعله تنبيها على الاهتمام بالمتعلّق لأنّه سبب صدور الفعل عن فاعله فجيء بالضمير المفسر فيما بعد لما في لفظ التفسير من الطول ، فيحصل بذكره بعد بين اسم الفاعل ومرفوعه ، فلذلك اختصر في ضمير يعود عليه ، فحصل الاهتمام وقوّي الاهتمام بما يدل على تمكنه في الذهن.