وقال المبرّد : تحدّاهم أولا بسورة ثمّ تحدّاهم هنا بعشر سور لأنهم قد وسع عليهم هنا بالاكتفاء بسور مفتريات فلمّا وسع عليهم في صفتها أكثر عليهم عددها. وما وقع من التحدّي بسورة اعتبر فيه مماثلتها لسور القرآن في كمال المعاني ، وليس بالقويّ.
ومعنى (مُفْتَرَياتٍ) أنها مفتريات المعاني كما تزعمون على القرآن أي بمثل قصص أهل الجاهلية وتكاذيبهم. وهذا من إرخاء العنان والتسليم الجدلي ، فالمماثلة في قوله مِثْلِهِ) هي المماثلة في بلاغة الكلام وفصاحته لا في سداد معانيه. قال علماؤنا : وفي هذا دليل على أن إعجازه وفصاحته بقطع النظر عن علوّ معانيه وتصديق بعضه بعضا. وهو كذلك.
والدعاء : النداء لعمل. وهو مستعمل في الطلب مجازا ولو بدون نداء.
وحذف المتعلق لدلالة المقام ، أي وادعوا لذلك. والأمر فيه للإباحة ، أي إن شئتم حين تكونون قد عجزتم عن الإتيان بعشر سور من تلقاء أنفسكم فلكم أن تدعوا من تتوسّمون فيه المقدرة على ذلك ومن ترجون أن ينفحكم بتأييده من آلهتكم وبتيسير الناس ليعاونوكم كقوله : (وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [البقرة : ٢٣].
و (مِنْ دُونِ اللهِ) وصف ل (مَنِ اسْتَطَعْتُمْ) ، ونكتة ذكر هذا الوصف التذكير بأنهم أنكروا أن يكون من عند الله ، فلما عمّم لهم في الاستعانة بمن استطاعوا أكّد أنهم دون الله فإن عجزوا عن الإتيان بعشر سور مثله مع تمكنهم من الاستعانة بكلّ من عدا الله تبين أن هذا القرآن من عند الله.
ومعنى (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أي في قولكم (افْتَراهُ) ، وجواب الشرط هو قوله : (فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ). ووجه الملازمة بين الشرط وجزائه أنه إذا كان الافتراء يأتي بهذا القرآن فما لكم لا تفترون أنتم مثله فتنهض حجتكم.
(فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ وَأَنْ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٤))
تفريع على (وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ) [هود : ١٣] أي فإن لم يستجب لكم من تدعو لهم فأنتم أعجز منهم لأنكم ما تدعونهم إلّا حين تشعرون بعجزكم دون معاون فلا جرم يكون عجز هؤلاء موقعا في يأس الدّاعين من الإتيان بعشر سور.