وجعل التفصيل لأجل قوم يعلمون ، أي الذين من شأنهم العلم لما يؤذن به المضارع من تجدد العلم ، وإنما يتجدد لمن هو ديدنه ودأبه ، فإن العلماء أهل العقول الراجحة هم أهل الانتفاع بالأدلة والبراهين.
وذكر لفظ (قوم) إيماء إلى أنهم رسخ فيهم وصف العلم ، فكان من مقومات قوميتهم كما تقدم في قوله : (لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) في سورة البقرة [١٦٤]. وفي هذا تعريض بأن الذين لم ينتفعوا بتفصيل الآيات ليسوا من الذين يعلمون ولا ممن رسخ فيهم العلم.
(إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (٦))
استدلال آخر على انفراد الله تعالى بالخلق والتقدير. وهو استدلال بأحوال الضوء والظلمة وتعاقب الليل والنهار وفي ذلك عبرة عظيمة. وهو بما فيه من عطف قوله تعالى : وَما خَلَقَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أعم من الدليل الأول لشموله ما هو أكثر من خلق الشمس والقمر ومن خلق الليل والنهار ومن كل ما في الأرض والسماء مما تبلغ إليه معرفة الناس في مختلف العصور وعلى تفاوت مقادير الاستدلال من عقولهم.
وتأكيد هذا الاستدلال بحرف (إِنَ) لأجل تنزيل المخاطبين به الذين لم يهتدوا بتلك الدلائل إلى التوحيد منزلة من ينكر أن في ذلك آيات على الوحدانية بعدم جريهم على موجب العلم.
وتقدم القول في شبيهة هذه الآية وهو قوله : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ) الآية في سورة البقرة [١٦٤] وفي خواتم سورة آل عمران.
وشمل قوله : (وَما خَلَقَ اللهُ) الأجسام والأحوال كلها.
وجعلت الآيات هنا لقوم يتقون وفي آية البقرة [١٦٤] (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) وفي آية آل عمران [١٩٠] (لِأُولِي الْأَلْبابِ) لأن السياق هنا تعريض بالمشركين الذين لم يهتدوا بالآيات ليعلموا أن بعدهم عن التقوى هو سبب حرمانهم من الانتفاع بالآيات ، وإن نفعها حاصل للذين يتقون ، أي يحذرون الضلال. فالمتقون هم المتصفون باتقاء ما يوقع في الخسران فيبعثهم على تطلب أسباب النجاح فيتوجه الفكر إلى النظر والاستدلال بالدلائل.