والاستجابة : الإجابة ، والسين والتاء فيه للتأكيد. وهي مستعملة في المعاونة والمظاهرة على الأمر المستعان فيه ، وهي مجاز مرسل لأنّ المعاونة تنشأ عن النّداء إلى الإعانة غالبا فإذا انتدب المستعان به إلى الإعانة أجاب النداء بحضوره فسمّيت استجابة.
والعلم : الاعتقاد اليقين ، أي فأيقنوا أن القرآن ما أنزل إلّا بعلم الله ، أي ملابسا لعلم الله. أي لأثر العلم ، وهو جعله بهذا النظم للبشر لأن ذلك الجعل أثر لقدرة الله الجارية على وفق علمه. وقد أفادت (أنما) الحصر ، أي حصر أحوال القرآن في حالة إنزاله من عند الله. و (أَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) عطف على (أَنَّما أُنْزِلَ) لأنهم إذا عجزوا فقد ظهر أن من استنصروهم لا يستطيعون نصرهم. ومن جملة من يستنصرونهم بطلب الإعانة على المعارضة بين الأصنام عن إعانة أتباعهم فدل ذلك على انتفاء الإلهية عنهم.
والفاء في (فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) للتفريع على (فَاعْلَمُوا). والاستفهام مستعمل في الحثّ على الفعل وعدم تأخيره كقوله : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) [المائدة : ٩١] أي عن شرب الخمر وفعل الميسر. والمعنى : فهل تسلمون بعد تحققكم أنّ هذا القرآن من عند الله.
وجيء بالجملة الاسمية الدالة على دوام الفعل وثباته. ولم يقل فهل تسلمون لأنّ حالة عدم الاستجابة تكسب اليقين بصحة الإسلام فتقتضي تمكنه من النفوس وذلك التمكن تدلّ عليه الجملة الاسمية.
[١٥ ، ١٦] (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ (١٥) أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٦))
استئناف اعتراضي بين الجملتين ناشئ عن جملة (فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [هود : ١٤] لأنّ تلك الجملة تفرّعت على نهوض الحجة فإن كانوا طالبين الحق والفوز فقد استتبّ لهم ما يقتضي تمكن الإسلام من نفوسهم ، وإن كانوا إنّما يطلبون الكبرياء والسيادة في الدنيا ويأنفون من أن يكونوا تبعا لغيرهم فهم مريدون الدنيا فلذلك حذّروا من أن يغتروا بالمتاع العاجل وأعلموا بأنّ وراء ذلك العذاب الدائم وأنّهم على الباطل ، فالمقصود من هذا الكلام هو الجملة الثانية ، أعني جملة (أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ) إلخ ... وما قبل ذلك تمهيد وتنبيه على بوارق الغرور ومزالق الذهول.
ولمّا كان ذلك هو حالهم كان في هذا الاعتراض زيادة بيان لأسباب مكابرتهم