غير مراد به الكفّ والإقلاع عن المنهي عنه فيكون مستعملا في لازم ذلك بقرينة المقام. ئومما يزيد ذلك وضوحا قوله تعالى في سورة الم السجدة [٢٣] (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ) فإنه لو كان المقصود تحذير النّبيء صلىاللهعليهوسلم من الامتراء في الوحي لما كان لتفريع ذلك على إيتاء موسى ـ عليهالسلام ـ الكتاب ملازمة ، ولكن لما كان المراد التعريض بالذين أنكروا الوحي قدّم إليهم احتجاج سبق الوحي لموسى ـ عليهالسلام ـ.
و (فِي) للظرفية المجازية المستعملة في تمكن التلبس نظرا لحال الذين استعمل النهي كناية عن ذمّهم فإنهم متلبسون بمزية شديدة في شأن القرآن.
وضميرا الغيبة عائدان إلى القرآن الذي عاد إليه ضمير (افْتَراهُ) [هود : ١٣].
وجملة (إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) مستأنفة تأكيد لما دلت عليه جملة (فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ) من أنه لوضوح حقيقته لا ينبغي أن يمترى في صدقه. وحرف التأكيد يقوم مقام الأمر باعتقاد حقيته لما يدل عليه التأكيد من الاهتمام.
والمرية : الشك. وهي مرادفة الامتراء المتقدم في أول الأنعام. واختير النهي على المرية دون النهي عن اعتقاد أنه كذب كما هو حال المشركين ، لأن النهي عن الامتراء فيه يقتضي النهي عن الجزم بالكذب بالأولى ، وفيه تعريض بأن ما فيه المشركون من اليقين بكذب القرآن أشد ذمّا وشناعة.
و (مِنْ) ابتدائية ، أي في شك ناشئ عن القرآن ، وإنما ينشأ الشك عنه باعتبار كونه شكّا في ذاته وحقيقته لأن حقيقة القرآنية أنه كتاب من عند الله ، فالشك الناشئ على نزوله شك في مجموع حقيقته. وهذا مثل الضمير في قوله : (يُؤْمِنُونَ بِهِ) من غير احتياج إلى تقدير مضاف يؤول به إلى إضافة الحكم إلى الأعيان المراد أوصافها.
وتعريف (الْحَقُ) لإفادة قصر جنس الحق على القرآن. وهو قصر مبالغة لكمال جنس الحق فيه حتى كأنه لا يوجد حق غيره مثل قولك : حاتم الجواد.
والاستدراك بقوله : (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ) ناشئ على حكم الحصر ، فإنّ الحصر يقتضي أن يؤمن به كل من بلغه ولكن أكثر الناس لا يؤمنون.
والإيمان هو التصديق بما جاء به الرسول صلىاللهعليهوسلم من الدين.