وحذف متعلق (يُؤْمِنُونَ) لأن المراد انتفاء حقيقة الإيمان عنهم في كل ما طلب الإيمان به من الحق ، أي أن في طباع أكثر الناس تغليب الهوى على الحق فإذا جاء ما يخالف هواهم لم يؤمنوا.
[١٨ ، ١٩] (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (١٨) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (١٩))
لما انقضى الكلام من إبطال زعمهم أنّ النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ افترى القرآن ونسبه إلى الله ، وتعجيزهم عن برهان لما زعموه ، كرّ عليهم أن قد وضح أنهم المفترون على الله عدة أكاذيب ، منها نفيهم أن يكون القرآن منزّلا من عنده.
فعطفت جملة (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى) على جملة (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ) [هود : ١٧] لبيان استحقاقهم النار على كفرهم بالقرآن لأنهم كفروا به افتراء على الله إذ نسبوا القرآن إلى غير من أنزله ، وزعموا أنّ الرسول صلىاللهعليهوسلم افتراه ، فكانوا بالغين غاية الظلم حتى لقد يسأل عن وجود فريق أظلم منهم سؤال إنكار يؤول إلى معنى النفي ، أي لا أحد أظلم. وقد تقدّم نظيره في قوله تعالى : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ) في سورة البقرة [١١٤] ، وفي سورة الأعراف [٣٧] في قوله : (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ).
وافتراؤهم على الله هو ما وضعوه من دين الشرك ، كقولهم : إن الأصنام شفعاؤهم عند الله ، وقولهم في كثير من أمور دينهم (وَاللهُ أَمَرَنا بِها) [الأعراف : ٢٨]. وقال تعالى : (ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) [المائدة : ١٠٣] أي إذ يقولون : أمرنا الله بذلك.
وجملة (أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ) استئناف. وتصديرها باسم الإشارة للتنبيه على أنهم أحرياء بما سيرد بعد اسم الإشارة من الخبر بسبب ما قبل اسم الإشارة من الوصف ، وهذا أشد الظلم كما تقدم في أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ) في سورة البقرة [٥].
ولما يؤذن به اسم الإشارة من معنى تعليل ما قبله فيما بعده علم أن عرضهم على ربهم عرض زجر وانتقام.