يحاولون أن يصيروها عوجاء لأنهم يريدون أن يتبع النبي صلىاللهعليهوسلم دينهم ويغضبون من مخالفته إياه. وهنا انتهى كلام الأشهاد لأن نظيره الذي في سورة الأعراف [٤٤] في قوله : (فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) الآية انتهى بما يماثل آخر هذه الآية.
واختصت هذه الآية على نظيرها في الأعراف بزيادة (هم) في قوله : (هُمْ كافِرُونَ) وهو توكيد يفيد تقوّي الحكم لأن المقام هنا مقام تسجيل إنكارهم البعث وتقريره إشعارا بما يترقبهم من العقاب المناسب فحكي به من كلام الأشهاد ما يناسب هذا ، وما في سورة الأعراف حكاية لما قيل في شأن قوم أدخلوا النار وظهر عقابهم فلا غرض لحكاية ما فيه تأكيد من كلام الأشهاد ، وكلا المقالتين واقع وإنما يحكي البليغ فيما يحكيه ما له مناسبة لمقام الحكاية.
(أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِياءَ يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ (٢٠))
(أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ).
استئناف بياني ناشئ عن الاقتصار في تهديدهم على وصف بعض عقابهم في الآخرة فإنّ ذلك يثير في نفس السامع أن يسأل : هل هم سالمون من عذاب الدنيا. فأجيب بأنهم لم يكونوا معجزين في الدنيا ، أي لا يخرجون عن مقدرة الله على تعذيبهم في الدنيا إذا اقتضت حكمته تعجيل عذابهم.
وإعادة الإشارة إليهم بقوله : (أُولئِكَ) بعد أن أشير إليهم بقوله : (أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ) [هود : ١٨] لتقرير فائدة اسم الإشارة السابق. والمعنى : أنهم يصيرون إلى حكم ربهم في الآخرة ولم يكونوا معجزيه أن يعذبهم في الدنيا متى شاء تعذيبهم ولكنه أراد إمهالهم.
والمعجز هنا الذي أفلت ممّن يروم إضراره. وتقدم بيانه عند قوله تعالى : (إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) في سورة الأنعام [١٣٤].
والأرض : الدنيا. وفائدة ذكره أنهم لا ملجأ لهم من الله لو أراد الانتقام منهم فلا يجدون موضعا من الأرض يستعصمون به. فهذا نفي للملاجئ والمعاقل التي يستعصم فيها الهارب. وعندي أنّ مقارنة (في الأرض) ب (معجزين) جرى مجرى المثل في القرآن