يرجون المنفعة فهم مثل التجار الذين أصابتهم الخسارة من حيث أرادوا الربح.
وإنما كانوا أخسرين ، أي شديدي الخسارة لأنهم قد اجتمع لهم من أسباب الشقاء والعذاب ما افترق بين الأمم الضالة. ولأنهم شقوا من حيث كانوا يحسبونه سعادة قال تعالى : (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) [الكهف : ١٠٣ ، ١٠٤] فكانوا أخسرين لأنهم اجتمعت لهم خسارة الدنيا والآخرة.
وضمير (هُمُ الْأَخْسَرُونَ) ضمير فصل يفيد القصر ، وهو قصر ادّعائي ، لأنهم بلغوا الحد الأقصى في الخسارة ، فكأنّهم انفردوا بالأخسرية.
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٣))
لما ذكر أحوال البالغين أقصى غايات الخسارة ذكر مقابلهم الذين بلغوا أعلى درجات السعادة. فالجملة مستأنفة استئنافا بيانيا لأن النفوس تشرئب عند سماع حكم الشيء إلى معرفة حكم ضده.
والإخبات : الخضوع والتواضع ، أي أطاعوا ربهم أحسن طاعة.
وموقع (أُولئِكَ) هنا مثل موقعه في الآية قبلها.
وجملة (هُمْ فِيها خالِدُونَ) في موقع البيان لجملة (أَصْحابُ الْجَنَّةِ) لأن الخلود في المكان هو أحق الأحوال بإطلاق وصف الصاحب على الحالّ بذلك المكان إذ الأمكنة لا تقصد إلّا لأجل الحلول فيها فتكون الجملة مستأنفة لبيان ما قبلها فمنزلتها منزلة عطف البيان ، ولا تعرب في موضع خبر ثان عن اسم الإشارة. وقد تقدم نظيرها في سورة البقرة [٨٢] في قوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ). فعد إليه وزد إليه ما هنا.
(مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٢٤))
بعد أن تبين الاختلاف بين حال المشركين المفترين على الله كذبا وبين حال الذين