قومه عذاب الدنيا لأنهم لا يؤمنون بالبعث فلذلك قالوا في كلامهم الآتي (فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) [هود : ٣٢]. ولعلّ في كلام نوح ـ عليهالسلام ـ ما تفيدهم أنه توعدهم بعذاب في الدنيا وهو الطوفان.
(فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلاَّ بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ (٢٧))
عطف قول الملأ من قومه بالفاء على فعل (أَرْسَلْنا) [هود : ٢٥] للإشارة إلى أنهم بادروه بالتكذيب والمجادلة الباطلة لمّا قال لهم : (إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ) [هود : ٢٥] إلى آخره. ولم تقع حكاية ابتداء محاورتهم إياه ب (قال) مجردا عن الفاء كما وقع في الأعراف لأن ابتداء محاورته إياهم هنا لم يقع بلفظ القول فلم يحك جوابهم بطريقة المحاورات بخلاف آية الأعراف.
والملأ : سادة القوم. وتقدم عند قوله تعالى : (قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) في سورة الأعراف [٦٠].
جزموا بتكذيبه فقدموا لذلك مقدمات استخلصوا منها تكذيبه ، وتلك مقدمات باطلة أقاموها على ما شاع بينهم من المغالطات الباطلة التي روجها الإلف والعادة فكانوا يعدون التفاضل بالسؤدد وهو شرف مصطلح عليه قوامه الشجاعة والكرم ، وكانوا يجعلون أسباب السؤدد أسبابا مادية جسدية ، فيسوّدون أصحاب الأجسام البهجة كأنهم خشب مسندة لأنهم ببساطة مداركهم العقلية يعظمون حسن الذوات ، ويسوّدون أهل الغنى لأنهم يطمعون في نوالهم ، ويسوّدون الأبطال لأنهم يعدونهم لدفاع أعدائهم. ثم هم يعرفون أصحاب تلك الخلال إمّا بمخالطتهم وإما بمخالطة أتباعهم فإذا تسامعوا بسيّد قوم ولم يعرفوه تعرّفوا أتباعه وأنصاره ، فإن كانوا من الأشراف والسادة علموا أنهم ما اتّبعوه إلا لما رأوا فيه من موجبات السيادة ؛ وهذه أسباب ملائمة لأحوال أهل الضلالة إذ لا عناية لهم بالجانب النفساني من الهيكل الإنساني.
فلما دعاهم نوح ـ عليهالسلام ـ دعوة علموا منها أنّه يقودهم إلى طاعته ففكروا وقدّروا فرأوا الأسباب المألوفة بينهم للسؤدد مفقودة من نوح ـ عليهالسلام ـ ومن الذين اتّبعوه فجزموا بأنه غير حقيق بالسيادة عليهم فجزموا بتكذيبه فيما ادّعاه من الرسالة بسيادة