آمَنُوا) لما يؤذن به الموصول من تغليظ قومه في تعريضهم له بأن يطردهم بما أنهم لا يجالسون أمثالهم إيذانا بأن إيمانهم يوجب تفضيلهم على غيرهم الذين لم يؤمنوا به والرغبة فيهم فكيف يطردهم. وهذا إبطال لما اقتضاه قولهم : (وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا) [هود : ٢٧] من التعريض بأنهم لا يماثلونهم في متابعته.
والطرد : الأمر بالبعد عن مكان الحضور تحقيرا أو زجرا. وتقدم عند قوله تعالى : وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ) في سورة الأنعام [٥٢].
وجملة (إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) في موضع التعليل لنفي أن يطردهم بأنهم صائرون إلى الله في الآخرة فمحاسب من يطردهم ، هذا إذا كانت الملاقاة على الحقيقة ، أو أراد أنهم يدعون ربهم في صلاتهم فينتصر الله لهم إذا كانت الملاقاة مجازية ، أو أنهم ملاقو ربهم حين يحضرون مجلس دعوتي لأنّي أدعو إلى الله لا إلى شيء يخصّني فهم عند ملاقاتي كمن يلاقون ربّهم لأنهم يتلقون ما أوحى الله إليّ. وهذا كقول النبي صلىاللهعليهوسلم في قصة النفر الثلاثة الذين حضروا مجلس النبي صلىاللهعليهوسلم فجلس أحدهم ، واستحيا أحدهم ، وأعرض الثالث «أمّا الأول فآوى إلى الله فآواه الله ، وأما الثاني فاستحيا فاستحيا الله منه ، وأما الثالث فأعرض فأعرض الله عنه».
وتأكيد الخبر ب (إنّ) إن كان اللقاء حقيقة لرد إنكار قومه البعث ، وإن كان اللقاء مجازا فالتّأكيد للاهتمام بذلك اللقاء. وقد زيد هذا التأكيد تأكيدا بجملة (وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ).
وموقع الاستدراك هو أن مضمون الجملة ضد مضمون التي قبلها وهي جملة (إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) أي لا ريب في ذلك ولكنكم تجهلون فتحسبونهم لا حضرة لهم وأن لا تبعة في طردهم.
وحذف مفعول (تَجْهَلُونَ) للعلم به ، أي تجهلون ذلك.
وزيادة قوله : (قَوْماً) يدل على أن جهلهم صفة لازمة لهم كأنها من مقومات قوميتهم كما تقدم عند قوله تعالى : (لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) في سورة البقرة [١٦٤].
(وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٣٠))
إعادة (وَيا قَوْمِ) مثل إعادته في الآية قبلها.