يؤمنون بالبعث أصلا بله أن يزعموا أنهم يحضرون إلى الله وإلى غيره.
وتمثلت فيما قصه الله من قصة نوح ـ عليهالسلام ـ مع قومه صورة واضحة من تفكير أهل العقول السخيفة التي ران عليها الضلال فقلب أفكارها إلى اعوجاج فظيع ، وهي الصورة التي تتمثل في الأمم التي لم يثقّف عقولها الإرشاد الديني فغلب عليها الانسياق وراء داعي الهوى ، وامتلكها الغرور بظن الخطأ صوابا ، ومصانعة من تصأصئ عين بصيرته بلائح من النور ، من يدعوه إلى إغماضها وعدمت الوازع النفساني فلم تعبأ إلّا بالصور المحسوسة ولم تهتمّ إلا باللذات وحب الذات ولا تزن بمعيار النقد الصحيح خلوص النفوس من دخل النقائص.
(أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ (٣٥))
جملة معترضة بين جملة أجزاء القصة وليست من القصة ، ومن جعلها منها فقد أبعد ، وهي تأكيد لنظيرها السابق في أول السورة. ومناسبة هذا الاعتراض أن تفاصيل القصة التي لا يعلمها المخاطبون تفاصيل عجيبة تدعو المنكرين إلى أن يتذكروا إنكارهم ويعيدوا ذكره.
وكون ذلك مطابقا لما حصل في زمن نوح ـ عليهالسلام ـ وشاهدة بكتب بني إسرائيل يدل على صدق النبي صلىاللهعليهوسلم لأن علمه بذلك مع أميته وبعد قومه عن أهل الكتاب آية على أنه وحي من الله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
فالاستفهام الذي يؤذن به حرف (أَمْ) المختصّ بعطف الاستفهام استفهام إنكاري. وموقع الإنكار بديع لتضمنه الحجّة عليهم.
و (أَمْ) هنا للإضراب للانتقال من غرض لغرض.
وضمير النصب عائد إلى القرآن المفهوم من السياق.
وجملة (قُلْ) مفصولة عن التي قبلها لوقوعها في سياق المحاورة كما تقدم غير مرة.
وأمر النبي صلىاللهعليهوسلم أن يعرض عن مجادلتهم بالدليل لأنهم ليسوا بأهل لذلك إذ قد أقيمت عليهم الحجة غير مرة فلم تغن فيهم شيئا ، فلذلك أجيبوا بأنه لو فرض ذلك لكانت