تبعة افترائه على نفسه لا ينالهم منها شيء.
وتقديم (عليّ) مؤذن بالقصر ، أي إجرامي عليّ لا عليكم فلما ذا تكثرون ادّعاء الافتراء كأنكم ستؤاخذون بتبعته. وهذا جار على طريقة الاستدراج لهم والكلام المنصف.
ومعنى جعل الافتراء فعلا للشرط : أنه إن كان وقع الافتراء كقوله : (إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ) [المائدة : ١١٦].
ولما كان الافتراء على الله إجراما عدل في الجواب عن التعبير بالافتراء مع أنه المدعى إلى التعبير بالإجرام فلا حاجة إلى تقدير : فعليّ إجرام افترائي.
وذكر حرف (على) مع الإجرام مؤذن بأن الإجرام مؤاخذ به كما تقتضيه مادة الإجرام.
والإجرام : اكتساب الجرم وهو الذنب ، فهو يقتضي المؤاخذة لا محالة.
وجملة (وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ) معطوفة على جملة الشرط والجزاء ، فهي ابتدائية. وظاهرها أنها تذييل للكلام وتأييده بمقابله ، أي فإجرامي عليّ لا عليكم كما أن إجرامكم لا تنالني منه تبعة. ولا حاجة إلى تقدير المضاف في قوله : (مِمَّا تُجْرِمُونَ) أي تبعته وإنما هو تقدير معنى لا تقدير إعراب ، والشيء يؤكد بضدّه كقوله : (لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) [الكافرون : ٢ ، ٣].
وفي هذه الجملة توجيه بديع وهو إفادة تبرئة نفسه من أن يفتري القرآن فإنّ افتراء القرآن دعوى باطلة ادعوها عليه فهي إجرام منهم عليه ، فيكون المعنى وأنا بريء من قولكم الذي تجرمونه عليّ باطلا.
(وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاَّ مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ (٣٦))
عطف على جملة (قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا) [هود : ٣٢] أي بعد ذلك أوحي إلى نوح ـ عليهالسلام ـ (أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ).
واسم (أن) ضمير الشأن دال على أن الجملة بعده أمرهم خطير لأنها تأييس له من إيمان بقية قومه كما دل حرف (لَنْ) المفيد تأبيد النفي في المستقبل ، وذلك شديد عليه