والعذاب المقيم : عذاب الآخرة ، أي من يأتيه عذاب الخزي في الحياة الدنيا ، والعذاب الخالد في الآخرة.
و (مَنْ) استفهامية معلّقة لفعل العلم عن العمل ، وحلول العذاب : حصوله ؛ شبه الحصول بحلول القادم إلى المكان وهو إطلاق شائع حتى ساوى الحقيقة.
(حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ (٤٠))
(حَتَّى) غاية ل (يَصْنَعُ الْفُلْكَ) [هود : ٣٨] أي يصنعه إلى زمن مجيء أمرنا ، ف (إِذا) ظرف مضمن معنى الشرط ولذلك جيء له بجواب. وهو جملة (قُلْنَا احْمِلْ). وجعل الشرط وجوابه غاية باعتبار ما في حرف الشرط من معنى الزمان وإضافته إلى جملة الشرط ، فحصل معنى الغاية عند حصول مضمون جملة الجزاء ، وهو نظم بديع بإيجازه.
و (حَتَّى) ابتدائية.
والأمر هنا يحتمل أمر التكوين بالطوفان ، ويحتمل الشّأن وهو حادث الغرق ، وإضافته إلى اسم الجلالة لتهويله بأنّه فوق ما يعرفون.
ومجيء الأمر : حصوله.
والفوران : غليان القدر ، ويطلق على نبع الماء بشدة ، تشبيها بفوران ماء في القدر إذا غلي ، وحملوه على ما جاء في آيات أخرى من قصة نوح ـ عليهالسلام ـ مثل قوله : وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً) [القمر : ١٢]. ولذلك لم يتضح لهم إسناده إلى التنور ، فإن التنور هو الموقد الذي ينضج فيه الخبز ، فكثرت الأقوال في تفسير التنور ، بلغت نسبة أقوال منها ما لا ينبغي قبوله. ومنها ما له وجه وهو متفاوت.
فمن المفسرين من أبقى التنور على حقيقته ، فجعل الفوران خروج الماء من أحد التنانير وأنه علامة جعلها الله لنوح ـ عليهالسلام ـ إذا فار الماء من تنوره علم أن ذلك مبدأ الطوفان فركب الفلك وأركب من معه.
ومنهم من حمل التنور على المجاز المفرد ففسره بسطح الأرض ، أي فار الماء من جميع الأرض حتى صار بسطح الأرض كفوهة التنور.
ومنهم من فسره بأعلى الأرض.