(وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ).
جملة معترضة دعا إلى اعتراضها هنا ذكر (مجراها) إتماما للفائدة وصفا لعظم اليوم وعجيب صنع الله تعالى في تيسير نجاتهم.
وقدم المسند إليه على الخبر الفعلي لتقوّي الحكم وتحقيقه.
وعدل عن الفعل الماضي إلى المضارع لاستحضار الحالة مثل قوله تعالى : (وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً) [فاطر : ٩].
والموج : ما يرتفع من الماء على سطحه عند اضطرابه ، وتشبيهه بالجبال في ضخامته. وذلك إما لكثرة الرياح التي تعلو الماء وإما لدفع دفقات الماء الواردة من السيول والتقاء الأودية الماء السابق لها ، فإن حادث الطوفان ما كان إلّا عن مثل زلازل تفجرت بها مياه الأرض وأمطار جمّة تلتقي سيولها مع مياه العيون فتختلط وتجتمع وتصب في الماء الذي كان قبلها حتى عم الماء جميع الأرض التي أراد الله إغراق أهلها ، كما سيأتي.
(وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ وَكانَ فِي مَعْزِلٍ يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ) (٤٣).
عطفت جملة (وَنادى) على أعلق الجمل بها اتّصالا وهي (وَقالَ ارْكَبُوا فِيها) [هود : ٤١] لأن نداءه ابنه كان قبل جريان السفينة في موج كالجبال ، إذ يتعذر إيقافها بعد جريها لأن الراكبين كلّهم كانوا مستقرين في جوف السفينة.
وابن نوح هذا هو ابن رابع في أبنائه من زوج ثانية لنوح كان اسمها (واعلة) غرقت ، وأنّها المذكورة في آخر سورة التحريم. قيل كان اسم ابنه (ياما) وقيل اسمه (كنعان) وهو غير كنعان بن حام جد الكنعانيين. وقد أهملت التوراة الموجودة الآن ذكر هذا الابن وقضية غرقه وهل كان ذا زوجة أو كان عزبا.
وجملة (وَكانَ فِي مَعْزِلٍ) حال من (ابْنَهُ). والمعزل : مكان العزلة أي الانفراد ، أي في معزل عن المؤمنين إمّا لأنه كان لم يؤمن بنوح ـ عليهالسلام ـ فلم يصدق بوقوع الطوفان ، وإما لأنّه ارتد فأنكر وقوع الطوفان فكفر بذلك لتكذيبه الرسول.