وهو الطوفان (إِلَّا مَنْ رَحِمَ).
واستثناء (مَنْ رَحِمَ) من مفعول يتضمنه (عاصم) إذ العاصم يقتضي معصوما وهو المستثنى منه. وأراد ب (مَنْ رَحِمَ) من قدّر الله له النجاة من الغرق برحمته. وهذا التقدير مظهره الوحي بصنع الفلك والإرشاد إلى كيفية ركوبه.
والموج : اسم جمع موجة ، وهي : مقادير من ماء البحر أو النهر تتصاعد على سطح الماء من اضطراب الماء بسبب شدة رياح ، أو تزايد مياه تنصبّ فيه ، ويقال : ماج البحر إذا اضطرب ماؤه. وقالوا : ماج القوم ، تشبيها لاختلاط النّاس واضطرابهم باضطراب البحر.
وحيلولة الموج بينهما في آخر المحاورة يشير إلى سرعة فيضان الماء في حين المحاولة.
وأفاد قوله : (فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ) أنه غرق وغرق معه من توعّده بالغرق ، فهو إيجاز بديع.
(وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤٤))
لما أفاد قوله : (فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ) [هود : ٤٣] وقوع الغرق الموعود به على وجه الإيجاز كما علمت انتقل الكلام إلى انتهاء الطوفان.
وبناء فعل (قِيلَ) للمفعول هنا اختصار لظهور فاعل القول ، لأن مثله لا يصدر إلّا من الله. والقول هنا أمر التكوين. وخطاب الأرض والسماء بطريقة النداء وبالأمر استعارة لتعلّق أمر التكوين بكيفيات أفعال في ذاتيهما وانفعالهما بذلك كما يخاطب العاقل بعمل يعمله فيقبله امتثالا وخشية. فالاستعارة هنا في حرف النداء وهي تبعيّة.
والبلغ حقيقته اجتياز الطعام والشراب إلى الحلق بدون استقرار في الفم. وهو هنا استعارة لإدخال الشيء في باطن شيء بسرعة ، ومعنى بلع الأرض ماءها : دخوله في باطنها بسرعة كسرعة ازدراد البالع بحيث لم يكن جفاف الأرض بحرارة شمس أو رياح بل كان بعمل أرضي عاجل. وقد يكون ذلك بإحداث الله زلازل وخسفا انشقت به طبقة الأرض في مواضع كثيرة حتى غارت المياه التي كانت على سطح الأرض.