وكانوا أيضا معجبين بقوة أمتهم وقالوا : (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) [فصلت : ١٥] فلذلك جعل الله لهم جزاء على ترك الشرك زيادة قوتهم بكثرة العدد وصحة الأجسام وسعة الأرزاق ، لأن كلّ ذلك قوة للأمة يجعلها في غنى عن الأمم الأخرى وقادرة على حفظ استقلالها ويجعل أمما كثيرة تحتاج إليها.
و (إِلى قُوَّتِكُمْ) متعلق ب (يَزِدْكُمْ). وإنما عدّي ب (إِلى) لتضمينه معنى يضم. وهذا وعد لهم بصلاح الحال في الدنيا ـ رضياللهعنهم ـ.
وعطف عليه (وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ) تحذيرا من الرجوع إلى الشرك.
والتولّي : الانصراف. وهو هنا مجاز عن الإعراض.
و (مُجْرِمِينَ) حال من ضمير (تَتَوَلَّوْا) أي متصفين بالإجرام ، وهو الإعراض عن قبول أمر الله تعالى.
[٥٣ ـ ٥٦] (قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (٥٣) إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (٥٤) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ (٥٥) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٦))
(قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (٥٣) إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ).
محاورة منهم لهود ـ عليهالسلام ـ بجواب عن دعوته ، ولذلك جردت الجملة عن العاطف.
وافتتاح كلامهم بالنداء يشير إلى الاهتمام بما سيقولونه ، وأنه جدير بأن يتنبه له لأنهم نزلوه منزلة البعيد لغفلته فنادوه ، فهو مستعمل في معناه الكنائيّ أيضا. وقد يكون مرادا منه مع ذلك توبيخه ولومه فيكون كناية ثانية ، أو استعمال النّداء في حقيقته ومجازه.
وقولهم : (ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ) بهتان لأنه أتاهم بمعجزات لقوله تعالى : (وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ) [هود : ٥٩] وإن كان القرآن لم يذكر آية معينة لهود ـ عليهالسلام ـ.
ولعل آيته أنّه وعدهم عند بعثته بوفرة الأرزاق والأولاد واطّراد الخصب وفرة مطردة لا تنالهم في خلالها نكبة ولا مصيبة بحيث كانت خارقة لعادة النعمة في الأمم ، كما يشير إليه